• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/05/09 16:01

أهل الكهف

أهل الكهف

بقلم سعد برغل

لست في حاجة إلى التذكير بأننا إمّا بإزاء أسطورة تشترك فيها أديان كثيرة وجاءت بصياغات مقدّسة مختلفة متفاوتة العدد من حيث الأبطال فهم سبعة ثامنهم كلب وهم ثمانية تاسعهم كلب وهم ستّة سابعهم ذئب، هو الحيوان المقدّس في الكهف القادر على حمل أمانة البشر، ولعلّ هذا المصدر الأسطوريّ هو من كان وراء حكاية وفاء الكلي لحارسه وأمانة الكلب لصاحبه،

ولذلك لا نستغرب اليوم مثلا بأروبا انتشار ظاهرة تربية الكلاب واصطحابها خاصّة بالنسبة إلى العوانس أو كلاب الحراسة بالنسبة إلى العجزة، وأتذكّر من باب  النكتة السياسيّة أنّ أحدهم كان يشكّك في معارض" متقدم في السنّ صاحب خبرة في السياسة" بأنّه ممّن يتمشى يوميا على كورنيش الضاحية ماسكا كلبا من أشرس الكلاب.

ليس غريبا أن أتحوّل من الكهف إلى الكلب ومن الظلمة إلى الوفاء، ليس فريبا لأنّتا بتونس منذ ثورة الشباب نراوح مكاننا، توقّف الزمن وتوقّفت عقاربه: توقّف النموّ بل تراجعت النسبة، توقّف التشغيل بل تعطّل، توقّفت حركيّة شباب الثورة بل تركت زمامها لشيخ في التسعين، توقّفت حركة المحاسبة بل عاد السادة التجمّعيّون يقفزون بالبلاتوهات ويؤسسون أحزابا ويسترضيهم الساسة ويشركونهم باعتبارهم أصحاب خبرة، لم نفارق الكهف ولا الحانة ولا الجامع ولا المعبد، مازلنا في سباب الكهفيين فلا رزقا بلغنا ولا ديمقراطيّة أنتجنا، كلاب واقفة أمام المعبد تحرسه كما تحرس القردة في الأسطورة الهندوسيّة كهوف الماس تقتل كلّ إنسيّ يقترب منها وكما تحرس الحيّات الناقثة للنّار في الثقافة الصينية معبد الإخوة زودياك فتحرق كلّ من يقترب، حالنا من حال الهنود والهندوس وكهفنا التونسيّ يزداد كلّ يوم إيغالا في الجبل والظلمة والعتمة.

كهف امتدّ بخلاف الأسطورة سنوات تكاد تبلغ السبع العجاف وجاء يوسف في رؤية مشغّله ، شاب خبر الأيام أو بعضها ليقود سفينة لا يحكمها ربّان وجاء ببحارته، من كلّ حزب بعض ومن كلّ شيعة بعض ومن كلّ ملّة بعض، فلا نعرف من مع من، و لا نعرف من ضدّ من، نهضة بالحكم وبالمعارضة، نداء مفتت بالحكم وبالمعارضة، جمهوري بالحكم وبالمعارضة، اتحاد بالحكم وبالمعارضة، جبهة ضدّ الجبهة ومع الجبهة، جبهة ضدّ كلّ الكلّ وضد الحاكم وضدّ الضدّ،حتى إذا لم تجد من تضادّ، ضادّت الجبهة الجبهة، جبهة مع قفة الزوالي في أفخم الفنادق وبأفخر السيارات و لا أتحدّث عن الرفيق حمّة.

كهف دخلناه رغم أنوفنا، سطّر الحالمون بالخلافة نظاما شبه الشبه، فلا هو بالرئاسي ولا هو بالبرلماني، شبه شبه حتى يكونوا في كل لحظة مع الحكم وضدّه، وتتالت الحكومات بعد الثورة والإخوان في كلّ نائبة موجودون، ثم يتصايحون كأنّهم خارج القاذورات وهم رجْل في الجامع ورجُل في الحانة. كهف موغل في اللغة، كلّما تعفّنت الأحوال غيّرنا واليا وكلّما تردّت الأحوال غيّرنا وزيرا وكلّما "كبست النهضة" أبقينا على وزرائها الفاشلين، وكلّما قام في البلاد خطيب قتلوه.

كهف يصلح لكلّ القاذورات التي ابتلانا بها الربّ من تديّن كاذب، استكرش أصحابه حتى غدوا بلا رقبة، ومن يسار الكافيار يهرول في الشوارع ثم يجلس بمقهى يتحدّث عن الماوية والتعقّف عن السلطة ويسبّ إخوان الشيطان ويسلّم لهم البلاد والعباد، وليبراليّون ساموا الحزب الحرّ والتجمّع وباعوا ما باعوا للنهضة ثم هرعوا إلى النداء، كهف بامتداد أربعة عشر قرنا من العقل الديني الإقصائيّ القاتل باسم الله، وكهف بامتداد ثلاثة قرون من الليبرالية المتوحشة العابرة للثقافات والأرواح والأجساد، زواج المتعة هذا داخل الكهف الأسطوري مهما طال لن ينجب سوى مواليد مشوّهين بصرا وبصيرة فمتى ستبصرون يا ذوي الألباب؟.

مشاركة
الرجوع