• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/10/20 14:19

اللحمة الحيّة

اللحمة الحيّة

بقلم سعد برغل

 لا أعرف لماذا قفز إلى ذهني عنوان ديوان المرحوم صالح القرمادي " اللّحمة الحيّة"، استبدّ بي منذ الصّباح، كلّما تذكّرت أمرا وطنيّا عاد إلى ذهني، لعلّني اشتقت إلى الأصدقاء الشعراء حتى أتطهّر من دنس السياسة ومستنقع الحزبيات الضيّقة في جامعة تونسيّة تستعدّ هذا الأسبوع إلى تغيير هياكها وتجديد أنفاسها وأقسامها وعمدائها بعد هياط ومياط من وزير لم يفلح في إقناع الجامعيّين بصواب خياراته، لعلّ آخر سقطاته تبشير الدكاترة والباحثين عن استحالة فتح باب الانتدابات بالجامعة، جميل هذا الوزير وهو يقف بسيارته الوزاريّة وبذلته العصرية أمام بائع خضر بالمنزه السادس، يجادله في ثمن الطماطم والارتفاع الصاروخيّ لأسعار الكرنب والفلفل البقلوطي، ولا يعرف سيادته طبعا أنّه بحضرة دكتور في البيولوجيا، ويمرّ سائقه لتزويد السيارة الوزاريّة بالبنزين، طبعا سيجد العون صاحب دكتوراه في الكيمياء، ويواصل طريقه نحو الطريق السيارة وسيجد بالمحطّة الأولى بائع خبز طابونة حامل شهادة في الفيزياء وبجانبه بائع المناديل الورقيّة  دكتورا في العربيّة، وقد يتعب السيد الوزير فيأخذ استراحة بالمحطّة، ويتكرّم على حارس السيارات بدينار بهيّ يمدّه على دكتور في الانجليزيّة، وتقدّم له نادلة قهوته العسلى دكتورة في الفرنسية، عندها سيتباهى أّنّ كلّ الشّعب التونسيّ دكاترة، أو من تبقّى من هذا الشعب لأنّ البقيّة هاجرت إمّا إلى الغرب الكافر أو الشرق الكافر أو بجوف حيتان المتوسّط.

اللّحمة الحيّة بوجع الوطن ستجدها، سيدي الوزير، بكلّ مؤسسة جامعيّة من مشمولاتك، اِبحث عن آلاف الموظفين الذين لا شغل لهم ولا مشغلة وسيادتك عاجز عن توجيه استجواب لهم، هم الأصل في اللحمة الحيّة، ابحث عن الهبرة التي تدافع عنها بالتمديد في سنّ التعاقد لمن عجز بالوظيفة وركن إلى الراحة منذ سنوات  ورفع شعار " اخطاني هاني مْرتْرت على قريب"، انظر اللحمة الحيّة في جحافل المكاتب بالمؤسسات و لا عمل ولا شغل وكلّما اقتربت من الجحر اعترضتك النقابات والوداديات والعجز الإداريّ والروتين  الإداريّ، وما قدرت إلا على الدكاترة فأغلقت أمامهم حلم الانتداب، غيور أنت على الجامعة التونسيّة، وصدقت تلك الفتاة بريف من أريافنا المعطاء حين اعترضت الشاهد في زيارة نفاق وقالت له ما معناه" هل أدرس سنوات ثمّ أنزح إلى العاصمة لأبحث عن شغل، هل تقبلني بمنزلك معينة منزليّة"؟ سؤال وجيه وجاهة السماوات والأرض ولو كان بكم حياء لبحثتم جميعكم عن " حرقة" غير مضمونة حتى لا نتأسف عليكم أسفنا على شبابنا الذي أرسلته الترويكا ينكح بشقّيه وأرسلتموه أنتم طعاما لحيتان المتوسّط.


ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.
مشاركة
الرجوع