• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/07/31 13:07

اليوم خمر...

اليوم خمر...

بقلم سعد برغل

أقرأ أحيانا بعض التصريحات لبعض السياسيّين أو ماجاورهم ممّن مكّنتهم الصّدفة من مقعد بمجلس نواب الشعب، أقرأ هذه المواقف في ضحك كالبكاء، في صمت كالعويل، في استغراب كالبلاهة، في غيبوبة كالتحامق، مواقف رهيبة رصينة، عاقلة مجنونة، حكيمة متخلفة، لا تعرف بالضّبط هل تندب حظك الشخصيّ أم حظّ وطنك، أم تستغفر الله العزيز القدير على ما وهبك من صبر عجائز لتتجاوز ترهات البهائم.

تطالع الصّحف اليوميّة فتفاجأ لمنسوب العنف الذي بلغه المجتمع التّونسي، حالات قتل فظيعة، كلّها قتل داعشيّ بدم بارد، الأب قاتل لصغاره، السلفيّ قتل عاهرته باسم العرفيّ وغطّى جسدها بالقرآن الكريم، جار يقتل جاره لدجاجة، سائق يدهس المارّة ويهرب فهو ابن الحزب الحاكم أو حليفه، سائق ميترو الساحل يهرب من الجانّ بغرفة القيادة، مجتمع يقيم الدّنيا لأنّ تونسيّة تألقت تلبس تبّانا فوق الرّكبتين ويتبرّأ منها، مجتمع يسير ماسكا نصفه الأسفل ويهشّ به على كلّ ظاهرة لغويّة، مجتمع أنتج نخبة سياسيّة تماما كحاله،  معظمهم ( حتى لا نقع في ما لا تُحمد عقباه )انتهازيون على جهلة على حمقى على وصوليّين على بائعي الأوهام على حاصدي الغنائم على تجار الدين وتجار الشّنطة وتسفير الشّباب إلى بؤر التّوتّر على الخائفين على مؤخراتهم وكراسيهم، نوّاب اجتمعوا واتفقوا وصوّتوا بالإجماع للتّرفيع في منحهم ، وتغيّبوا بالتوافق على جلسات أهمّ القرارات الوطنيّة من هيئات دستوريّة وقانون إرهاب وقانون مصالحة وطنيّة، مجلس "تعرّي نعرّي...تورّي نورّي" ، ولا غرابة فكما تكونوا يُولّى عليكم.

حلمنا كلّنا يوما بالسّفر والسيارة والمسكن، حلمنا بصغارنا يدرسون في سعادة ونوفّر لهم مستلزمات العيش الكريم، حلمنا بمساحات خضراء ببلد الخضرة، حلمنا بالمياه الدوارة بمفترق الطرق تزيّن ليالي المدن التونسيّة، حلمنا بتوفّر الماء والنور الكهربائي والحليب واللحم والخضر بكلّ دار تونسيّة، حلمنا بتغطية اجتماعيّة وصحيّة شاملة، حلمنا بنقل عموميّ مجانيّ، وحلمنا بأنّنا ببلد الفرح الدائم، أولاد الكلب، قتلتم فرحنا، أجهضتهم فرحتنا، أصبحنا نبحث صباحا عن فضلة عشاء البارحة، كان زكرياء بن مصطفى لمّا أراد إقناع بورقيبة بالترفيع في ثمن الخبز قال له ما معناه" يطيشوا فيه في الزبلة، ويوكلوا فيه للبقر" واليوم تمرّ بالشوارع ويعتصرك القلب لعدد التونسيين النابشين في القمامة والزبلة نبش الكلاب السّائبة والدّجاج التّائه، حلمنا بوطن يجمعنا فقتلتم فينا الإحساس بالوطن، دواعش على أنصار شريعة على موقّعين بالدم على إخوان تونس، استبدلتم تونسنا بشهوتكم للدّم، أفلستم وطنا احتضنكم وسرقتم مدّخراته باسم الغنيمة واليوم تتصايحون كيف يقول وزير المالية بالنيابة" علينا أن نقترض حتّى ندفع أجور الموظّفين".

كنتم قد طبّقتم قولة امرئ القيس" اليوم خمر وغدا أمر"، زرعتم بالإدارات كلّ عاطل عن العمل والخدمة باسم العفو التشريعي، رعيتم كلّ اعتصام وتعطيل إنتاج، تمكّنتم من الهيئات باسم الحزب الأغلبيّ، تمتّعتم بالترقيات على الترقيات باسم الاضطهاد، انتفخت أوداجكم وكروشكم، وكان الأمس خمر، واليوم سيأتيكم الأمر؛ أمر ملفات الرشّ والسفارة الأمريكية والشيراتون والهبة الصينية والأبقار الهولندية وصفقات البيع والشراء، بالأمس كان لكم الخمر، بالشفاء، واليوم لنا الأمرُ، وهو الأبقى. 

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.
مشاركة
الرجوع