• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/05/23 15:20

داعش والغبراء

داعش والغبراء
بقلم سعد برغل

من المرات القليلة التي أجد نفسي غير قادر على الكتابة لكثرة ما يجول بخاطري، ومن المرات النادرة التي أغمض فيهما عينيّ ولا أعرف بالضبط موقفي من الحدث، ومن المرات الاستثنائيّة التي يكون فيها قراري مذبذا لا ساحل له،

هي الأيام لعلّ السنّ قد بدأ يفعل فعله فقد شاب الرأس وأصبحت لا أنام الليل لهواجس كثيرة أبسطها ما يدور بمحيطي القريب ولكنّ هذه الهواجس بفعل التراكم بدت تتّسع خطورتها حتى كأني أسير حالما وتترآى لي أشباح تخرج من جنبات الطريق لجثث تتطاير متفحّمة، وأسمع في عزّ النّهار صرخات موتى ويتطاير الدّم ويرتطم بالزجاج الأمامي لسيارتي، أغيب عن الوعي وأرى في ما يرى النائم آبار من النفط تتصاعد مخروناتها عنان السماء ,اسمع تهليلا وصياح فرحة ويتدفّق النفط والغاز ويغمر الصحراء ويأخذ معه الصارخين المولولين، ويتسربّ ثم يتجمع ثم يسيل طوفا يغمر القرى الصغيرة ثم البلدات ثم المدن، وأرى في ما يرى النائم عاصمة تحترق ، أكبادا تُشوى وأعضاء تُقطع وولولة النسوة المغتصبات باسم الدين تارة وباسم البترول تارة وباسم الجهويات تارة وباسم الرّخ تارة وباسم الفخّ تارة وباسم الفتنة تارة وباسم الشرعية تارة، أرض تُغتصب ومدنيون يحرقون بعضهم البعض وترتفع إلى عنان السماء أدعية للقاتل الشهيد وللمقتول الشهيد وللشاهد الشهيد.

من المرات القلائل التي أعجز عن تبيّن الخيط الأبيض من الأسود حكاية البترول وهذا المنعرج الذي أخذته، فأنا مواطن بسيط ببلد تعيس حزين، هتف مع ضغاره منذ سنوات لثورة ستوفّر للصغار غدا أفضل، كنت غبيا ككثير من التونسيين، فساد ومنظومة فساد ضدّ فساد وبارونات فساد وأباطرة فساد، كرهت هذه الكلمة، فالفسّاد هم أنفسهم والمستكرشون الجدد هم أنفسهم والزوالي هو الزّوالي وركب السياسيّون أحدث السيارات وبنوا عمارات أعلى من المآذن ويتجوّلون تحت حراسة مشدّدة لصيقة ويطالبون العزّل البسطاء بمهاجمة المقارّ ويصرخ في المعتصمين" خذوا حقّكم" ويجعل بين الدولة والسلطة والحكومة خيطا أرفع من خيط العنكبوت، فالسياسيون الذين يؤجّجون المصادمات تحميهم الدولة، ويطالبون الدولة بالمشاريع في الوقت الذي يطالبون فيه الجماهير باحتلال مقارّ السيادة، ويهاجمون موارد البلد ويطالبون باقتسام الغنائم والتوزيع العادل للثروة.

من المرّات القلائل التي لا أفهم فيها أي الشّقين أصدّق؟ حكومة تقول إنها تتفاوض وتحاور وتجاهد وتسعى وتقترح وتعطي مشاريع تنموية ونسبة تشغيل للمعتصمين، يقودها وزير لا تفهم من تعابير وجهه هل هو فرح أم غاضب، هل هو باسم أم متجهّم، وزير لا يعرف كيف يتكلّم وكلّما نطق أجّج الأمور فيلعب دورا ضدّ دوره الحكومي وقد يكون وفيّا لدوره الحزبيّ فهو ابن النهضة، نهضة انتخبها أهل تطاوين مرتين وسينتخبونها مرات قادمة، ولكن نسي هؤلاء أنّ من يطالب بكشف شفّاف لعقود البترول كان هو الحاكم بأمره بالقصر ثلاث سنوات، وشقّ يصرخ قتلنا البرد والعطش والتهمييش والبطالة و"الحقرة" حقرة لا يمكن أن نراها على وجوه ملثمة تحرق، ووجوه تسارع إلى المستودعات البلدية ووجوه تحرق المراكز الأمنية، من سأصّدق هذه المرّة، محلّلون ينبهون إلى فتح المعابر لدخول الدواعش من ليبيا ومحامون باسم اتحاد المحامين الإسلاميين يتنقل إلى تطاوين، وأصحاب شعار القفة وفاطمة يكتبون بياناتهم واتحاد أصبح أمام السياسيين لا حول له ولا قوّة، قاتل ومقتول وسيناريو لعنة النفط.

بليبيا بدأ النهب والتدمير من الأماكن القريبة من مناع النفط حتى انقسم البلد، بسورية بدأ القتل والتقتيل من الأراضي القريبة من النفط ، بالعراق بدأ القتل والتقتيل بالمناطق القريبة من النّفط، نفط يتقاتل عليه أهل البلد وندفعه هديّة إلى ترامب، نفط يتقاتل عليه السوريون ويقدّمونه هديّة لأردوغان، نفط يتقاتل عليه العراقيّون وقدّموه ديّة للأمريكان تعويضا على حرب الخليج الثانية، تقاتلوا، تصايحوا افنَوا كلّهم، ستسبى نساؤكم وسينتصر الجهل فيكم وسيتمتّع أبناء فلوريدا ولندن وباريس وأنقرة ببترول امتزج بدم تطاويني من تونس.


ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال. 
مشاركة
الرجوع