• أخبار
  • مقال رأي
  • 2018/05/08 12:54

طهران التلفاز...تهران الواقع

طهران التلفاز...تهران الواقع

بقلم سعد برغل

لم أجد كلماتي مند أسبوع لذلك آثرت عدم كتابة مقالي بجوهرة، وخيّرت الصمت، لا الانتخابيّ طبعا، لكنه صمت من عاين قدرة الإعلام على خلق مجتمع ما وعلى خلق دولة ما وعلى خلق عداء البشريّة لبلد ما، هذا هو حالي أنا مع إيران قبل سفري إليها وبعد عودتي منها، هو كذلك حال نسبة كبيرة من التونسيّين الذين تحوّلوا إلى معرض طهران الدّوليّ للكتاب ويزورون طهران للمرّة الأولى.

إيران يا سادة يا مادة كنت أشاهدها  منذ عشرات السنين، حشدا من الملتحين يسيرون بالشارع الإيراني، نسوة بجلابيب سود لا تظهر من وجوهم سوى بقايا سواد يراه النّاظر من بعيد، كنت أرى ايران مقبرة للفرح فلا موسيقى ولابهجة حياة، مسلحون باسم الحرس الثوري يجوبون الشوارع يهتفون باسم أئمة شيعة  قدامى ميّتين وآخرين أحياء، يسبّحون باسم الأئمّة وينهرون الناس وقت الصلاة، كنت أشاهد في مخيلتي ايران من بقايا العصر الحجري، كانت صورة صنعها الإعلام وانطلت على السّذج أمثالي، كنت إلى حدّ الصباح الذي وطئت فيه قدامي أرض طهران أنتظر شارعا اسود وانتظر ملتحين وأصحاب عائم وقمصان.

إيران يا سادتي التي عشت بها أسبوعا بمناسبة معرض طهران الدّوليّ، تهران التي جبت شوارعها وتحدّثت مع اهلها وناسها، تجّارها ومثقّفيها، تهران التي سهرت بها ليلا، كامل الليل، تهران التي شربت فيها الشاي نهارا وتمتعت بجبالها والفُسح ليلا، تهران غير كلّ تلك الصّورة النمطيّة التي رسّخها الإعلام بعد أن صنعها، نسوة وشابات بعمر الورد لا تحملن الحجاب، مجرّد فولار يُظهر الشعر المنسدل، واللباس الذي لا يفرق عن لباس بنات تونس، تعترضك الشابة الإيرانيّة بالشارع تعزف الموسيقى وتضرب على الدّف، وتستوقفك مجموعة شبابيّة بالشارع تعزف إذا نزعت من عقلك أنك بطهران فحتما ستقول أنك ببلد أروبيّ، يعزفون بالشارع، يرقصون بالشارع، يمسكون أيدي بعضهم البعض بالشارع، يتهامسون بالشارع، يتناجون بالشارع، وتعترضك الواحدة جالسة بلا غطاء شعر جنب صديقها وهي تدخّن سجارتها في متعة وراحة.

 تهران التي أدركت خطورة الإعلام في ترسيخ صورة تشدّدها تحتاج اليوم إلى إعادة النّظر في الحريات الشخصيّة  إذ لم نجد بها مواقع اجتماعيّة، هي محجوبة منذ زمن بعيد، هذا ما ينقص هذا البلد حتى يكون بلدا، فقط للإعلام، قال لي أحدهم إنّ شوارعها كلها يقع تنظيفها ومسحها وغسلها بالماء كلّ ليلة، لهذا لم أعرف كيف أتصرف عندما تناولت قطعة حلوى ولم أعثر على ربع ورقة ملقاة بالشارع، مسكتها بيدي وقتا حتى عثرت على مكان مخصّص لرمي القمامة.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.
مشاركة
الرجوع