• أخبار
  • مقال رأي
  • 2018/04/27 09:40

عورات شتّى لحالة واحدة

عورات شتّى لحالة واحدة
بقلم سعد برغل

اكتشف التونسيّون بعد ثورتهم حالات العورة الممكنة ، اكتشاف لغويّ قبل أن يكون اكتشافا معرفيّا مرتبطا بحالات سوسيولوجيّة أو ثقافيّة تمكّن الفرد من اكتشاف حالته وحاله، عري وتعرّ وتعريّة وتورّي نورّي، 

أرهقتنا حروف وعرّتنا حروف وفضحتنا حروف، فنحن نموت بغيظنا ونحن معرّة وعار وعورة وتعريّة؛ عين غريبة أصابتنا ابتلانا الربّ في بداية الثّروة بدعاة يتوزّعون بين حرف الدهن والتبليط وبائعي خضر، وبعد سنوات عجاف يواصل الربّ ابتلاءه للتونسيّين فيسلّط على مسامعهم تجلّيات العين المختلفة، بين  نعوت أطلقها اليسار  واليمين على الإعلام وبين مطربين ومطربات باعوا أصواتهم في رحبة السكارى والمنتشين واليوم تذكّروا العين والتوبة النصوح بحضرة من أفسدت أغانيه ورقصاته مئات الشّباب المهمّش ينتصب اليوم بقناة تلفزيّة يزكّي العين ومن نطق بها سفاهة، واذا سألته عن نسله تبرّأ، وإذا سألته هل بعت ما تحصّلت عليه سنوات السّهر ويا ليل يا عين ووزّعته على المعدمين لكفّرك واتهمك بأنك تطلب منه الاعتداء على رزق صغاره، شعب انتفض بالمواقع الاجتماعيّة وانقسم قسمين؛ قسم مناصر لميّة القصوري وآخر شامت في ميّة القصوري، قسم دافع عن صاحبة الحنجرة البدويّة العينيّة وآخر استنكرها، دعاة جندرة تكاتفوا لدحر العدوان الغاشم على مخلوق الربّ وآخرون مزجوا بين تفاهة كلمات ورقص بدويّ لصاحبة العين، آخرون تمتّعوا بنيّة التوبة ومضمضوا شفاههم وهم يحلمون بحور العين.

مجتمع أسقطته العين وتحكمت فيه العين وكشفت عوراته العين، مجتمع العورة والعيب والعار والمعرّة، مجتمع إذا أراد أن يلتفت إليه الناس نطق حرف العين فهو مدافع ضدّ إعلام العار بالأمس وإعلام المعرّة اليوم، هو مدافع عن سماحة الإسلام بصوت المرأة عورة، هو قاتل شعوب باسم الجهاد حالما بحور العين، فهل صادفتهم في تاريخ البشريّة شعبا تحكّمت وفيه حروفه وترأسه حرف العين؟

من أطرف ما سمعت من تداعيّات العين على هذا المجتمع الثوريّ جدا قول أحدهم على مقربة منّي بالمقهى" أنا مقتنع أنّ ما قالته صاحبة الصّوت الأرعن هو مسرحيّة أعدّتها قبل نطقها، وقبضت ثمنها، ومن الغريب أن يلتقي معلولان في نفس القناة من محترفي الفنّ الشعبيّ في حيّز زماني متقارب ويعطيان نفس الرّأي، هذه مؤامرة صهيونيّة تحرّكها أياد تونسيّة بتواطؤ إعلام العار" ، عدنا إلى  لعنة العين، فاللهم ارحم هذا الشعب الذي تركت ثلاثة وعشرين حرفا وتعلّقت همّته بحرف واحد صرّفه تصريفا غريبا وابتعد عن كلّ قضاياه، فلا الاتحاد شغله ولا العاطلون ولا رمضان على الأبواب والناس مفلسون، شعب تعلّقت همّته بحرف فكأّننا صمّ بكم لا نسمع مثقّفينا ويكفي أن ينطق أحد المعتوهين لتصبح حكمة أو قضيّة رأي عام؛ رحم الله أستاذنا محمّد الطالبي، وتحيّة لنائلة السليني وآمال القرامي، فالعين لن تعلُو عن الحاجب.


ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال. 

مشاركة
الرجوع