• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/09/19 16:02

لا دفْ لا قنبري

لا دفْ لا قنبري

بقلم محمد سعد برغل

أعرف هذا المثل منذ كنت صغيرا ألهو مع شويهاتنا بالجنوب، كنت ذاك الفتى الذي يسمع كثيرا من الأمثلة الشعبيّة لأنّني أسبح في محيط فلاحيّ  يقول حياته أمثلة شعبيّة وتتفنّن نسوته في التقاذف أمثلة وتتبارى الصبايا في  تفسير معاني هذه الألفاظ حتى تحوّلت الأمثلة مدوّنة شعبية عالمة بخبايا النّاس منطلقة من خبرات فلاحيّة عمّقتها الحياة الصعبة لرعاة ومزارعين خبروا الأيّام والحكّام والعُمَد، فقد كان العمدة في ذاك الزّمن الأُمثوليّ هو أعلى مرتبة إداريّة بالجهة، يحكم بأحكامه كما يقول الكلّ، يولي ويعزل كما يقول إمام الحومة، الفاطق النّاطق ما يقول معلّم زيتوني لم يتجاوز تحصيله العلمي سنة أو بعض سنة بفرع زيتوني بقابس.

لا دفْ لا قنبري، لم أفهم معناها إلى حدّ اللحظة رغم ذلك الكمّ الهائل من النّقاش الاجتماعيّ والخطاب الحجاجي الذي يستعمل كثيرا من الأمثلة، لكنّي اليوم مع ما أعيش من إيقاع متسارع بهذا البلد السريالي حتى أصبحنا اليوم نشهد إخراجا للمربيّين من أقسامهم بدعوى الإلحاد ويتزعّم الحركة وجه ينتمي نظريّا إلى أعرق منظمّة نقابيّة، ويجد المواطن نفسه فعلا لا حول له ولا قوّة، مواطن لا يفهم كيف يتصرّف بإزاء ظواهر ما بعد الثورة، تكاثرت وتوالدت وتنامت وفرّخت.

أئمّة برعوا في تكفير مخالفيهم، حفظوا ما حفظوا من الكتب الصفراء ، برعوا في فتاوى النهدين والفخذين، لعنوا رياضيات بسبب لباسهن الرّياضيّ، لعنوا ممثلاّت بسبب أداء مسرحي، لعنوا مارّين بالطرقات وجالسين بالمقاهي، تربّعوا بالوظائف ونهبوا المال العام واعتدوا على الشأن العام، استقبلوا وهابيين ووجدي غنيم ودعاة إرهابيين ومكّنوهم من برّ تونس، فتحوا جوانيت لبيع الوهم الديني لعشّاقه، فانتشرت الكتاتيب والمدارس القرآنية لمنقّبات وملتحين، حتى إذا فاحت روائح اغتصاب للطفولة برّروا ما أمكنهم وتبرّؤوا ممّن أساء إلى منظومتهم ولم يسمحوا لأنفسهم أو لغيرهم بالمراجعة، انتظموا في نقابات وجابوا الطرقات مندّدين بالقوانين الوضعيّة وكفّروا السياسيين ورئيس دولة مدنيّة وخرّبوا دور ثقافة وأرهبوا النازل والغادي والطالع والآتي باسم المقدّسات وهم في آخر الدنيا" لا دفْ لا قنبري".

نقابيّون متدثّرون بشعارات الاعتصام والعصمة والإفلات من كلّ محاسبة والاتّكاء على منظمة عريقة وطنيّا ودوليّا، نقابيّون ملتزمون بالقضايا السياسيّة وبأجندات حزبيّة لا تعنيهم مطالب قطاعاتهم بقدر ما يعنيهم تموقع أشخاصهم في منظومة المكافآت والظهور الإعلاميّ ولا يعرفون من العباءة سوى صوفها يقتحمون حياتنا ويتدخلون في تقييم المربيّ والحكم على المثقف والفنان ويصدرون أحكاما تتراوح بين الموت تكفيرا والقتل تلحيدا، كنّا صغارا وكنّا "نرعي البهم" واليوم كبارا نتفرّج على "عجب ربّي" في خطاب قاتل تدميريّ في ظلّ هيبة الدولة التي تحوّلت بفضل الأئمة والنقابات أصحاب الجلابيب الأفغانية أداة من أدوات تكميم الأفواه ووسيلة مثلى لتأليب الجمهور على المخالف، وبالأمس كانت الخيمات الدعوية بأبواقها الدعويّة قرب المعاهد وهانحن اليوم نعيش لحظة إدخال الخيمات الدعوية بلحاها وعفنها داخل المؤسسة التربوية وعى المدرّس قبل غلق النوافذ أن يستظهر بشهادة إيمان و يا حبّذا لو علّق بباب قسمه شهادة تثبت قيامه بفرائضه الدينية وبأخرى تثبت عدد الأحزاب التي يحفظها ومن المستحسن أن يضع بالباب شهادة يتبرّأ فيها من الدولة المدنيّة ودساتيرها لعلّ المتدثّرين يرضون عنه ويفكّون حصارهم الذي أطبق على الأنفاس وقتل فينا الأخضر واليابس، ولكّنا سنكونمع تونس الأبيّة القادرة على الانبعاث من رماد الكهنوت طائرا برعما سيحلّق بالجبال حرّا كما أرادته إرادة الحياة وصاحبها، فموتوا بعبرتكم أما الغيض فذا فيض منه والبقية آتيّة.


ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.

مشاركة
الرجوع