• أخبار
  • مقال رأي
  • 2014/12/09 22:44

البحث العلمي ووسائل الاتصال الحديثة (2)

البحث العلمي ووسائل الاتصال الحديثة (2)

الأستاذ منصور مهني (جامعة تونس المنار)

 نواصل  اليوم نشر سلسلة من ثلاث الحلقات الثلاث التي تتطرق إلى بعض المسائل المتعلقة بالبحث العلمي والتييكتبها الأستاذ منصور مهني ليبدي رأيه في موضوع وفي قطاع شغله لسنوات، وبعد فصل الأول اهتم بتفاعل الطالب الباحث مع وسائل الاتصال الحديثة، ننشر اليوم الفصل الثاني الذي ينظر في طبيعة المادة المعلوماتية المتوفرة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة.

2 - طبيعة المادة المعلوماتية المتوفرة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة

 إن المادة المعلوماتية المتوفرة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة متعددة ومتنوعة ولا بد للباحث الشاب خاصة أن يفرق بين الغث والسمين فيه. عموما هذه المعلومات تتفرع إلى ثلاثة أنواع:

 + معلومات متأتية من محركات البحث، كقوقل مثلا، وهي تحيل على مراجع في عدد مهول لا يمكن الإلمام بجميعها ولا التثبت في مدى تحكيمها العلمي. فهي كما أشرنا إلى ذلك، مدخل يمكّن من تلمس الطريق الأولى إلى التعمق في البحث، ويجب التعامل معها بكل حذر وبكثير من الذكاء والتروي المنهجي، إلى أن يبلغ الباحث المصادر الرقمية المحكّمة والتي يطلق عليها اسم "المكتبات الرقمية"

 + لابد من الاعتراف بأن المكتبات الرقمية تمر بمرحلة هامة في الدور التي بدأت تلعبه وستؤديه بأكثر سلطة لاحقا ألا هو تعويض المكتبات التقليدية مما يفرض شيئا فشيئا نظرة جديدة للبحث من حيث هو عملية يمكن أن تتم في فضاء شخصي ضيق لا صاحب ولا صديق فيه سوى الحاسوب والربط بالشبكة العنكبوتية الأنترنت. هي عملية تسير على نسق عجلة التطور التقني وتنامي سلطة النفوذ الذي اكتسبته وسائل الاتصال الحديثة، خاصة بعد أن انطلقت حيز التطبيق بعض البروتوكولات التي تتجاوز قضية الحقوق وتمكن من الولوج إلى المعلومة العلمية بكثير من التبسيط في الإجراءات المتبعة؛ ولكن تلك العملية هي الأخرى لا تخلو أحيانا من بعض المخاطر في مدى صحة المعلومة العلمية وفي عمق الجدل الذي قد يدور حول بعض المفاهيم وتفريعاتها.

من الضروري إذن الانتباه لذلك وأخذ الاحتياطات والتحريات اللازمة لتحافظ المنظومة البحثية على كامل صدقيتها دون أن تخسر الفوائد التي يمكنها الاستفادة منها عبر وسائل الاتصال الحديثة.

ولعل هذا ما يجعل فكرة الاستغناء الكلي على المكتبات التقليدية أمرا لا يزال افتراضيا.

إلا أنه من الضروري الإشارة إلى تأخر تعميم التسهيلات الضرورية قصد الولوج الرقمي إلى المعلومة العلمية، خاصة ما يتعلق منها بمجانية العملية للباحثين والطلبة الباحثين، أو على الأقل بأسعار رمزية. فالتجهيزات المتوفرة وسيولة الربط بالأنترنت تبقى عويصة للأساتذة الباحثين، فكيف بها إذن بالنسبة للطلبة؟

 + وفي باب ثالث لطبيعة المعلومة الافتراضية، يمكن أن ندرج ما توفره وسائل الاتصال الاجتماعي ومواقعه من فايسبوكوتويتر ومن بلوق وبعض السبل الأخرى من مسالك للحوار وتبادل الأفكار والمعلومات. وكم لاحظنا هنا من متدخلين يطلبون من محاوريهم وأصدقائهم حل مشاكلهم في التمارين المنزلية، في موضوع امتحان مرتقب أو في موضوع بحث يشغل البال.

إن لهذه السبل قيمة اجتماعية لا شك فيها، إلا ما اندرج منها في عدم الاحترام عامة (سواء للأشخاص أو للقيم). لكن لا يخفى على أحد ما يتأتى عن العملية من كسل فكري لدى الطالب والباحث ومن استخفاف بأمور هي في غاية الخطورة.

طبعا، لا يمكن التحكم في عملية كهذه إلا عبر الوعي الذاتي لدى الطالب والباحث بالطريقة التي يتوصل من خلالها إلى المنفعة المرجوة من الاستشارة والتحاور دون المس بالملكية الفكرية والمجهود الشخصي في العمل الشخصي. لكن ذاك الوعي لا يغدو أن يكون سوى نتيجة حتمية لعملية تربوية شاملة يتحمل مسؤوليتها المجتمع بمختلف مكوناته وفي جملة المراحل المتتالية للعملية، منذ فترة ما قبل الدراسة إلى مرحلة الانطلاق في البحث والتعمق فيه.
مشاركة
الرجوع