• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/01/02 12:13

ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة

ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة

بقلم سعد برغل

أمنية أولى:
ليس غريبا أن أنام الليل وتراودني أحلام تتصارع مع كوابيس ورثتها عن يوميات هذا الوطن الممتدّ من الاعتصامات إلى الاغتيالات يتوسّطها إرهاب عشّش بالعقول وفرّخ بالجبال، 

، وطن كان في أحلام صباي أخضر فعشت سنوات على إيقاع لون أحببناه من خضرة بلد إلى تونس الخضراء إلى جواز سفر أخضر إلى ألوان ألوية مقامات أولياء صالحين تتبرّك بهم أمّي وارتقوا عندها إلى مرتبة التّقديس، كنت مع والدي رحمه الله نرى في خضرة الأرض رمزا للخصب والوفرة والكلأ الطيب لنعاج نقتات منها، خضرة في المهد يراها المولود تحوّلت بتراكم الخيانات الموصوفة أولية سودا ، حدادا نلبسه بالشارع وبالكوابيس، قطعنا مع البهجة والفرحة ومتعة الحياة وانتصب أقوام حرّاس نوايا على قلوبنا ، أناخوا وكلكلوا بالليل ظلمات ورايات عقاب، تحوّلت بهجتنا البريئة مطاردات بوليسية بمطارات العالم وتتوقّف قلوبنا عن الخفقان مع كلّ اعتداء ببلد ما، فقد يكون الفاعل تونسيّا ممّن باعهم أصحاب التجارة والاستثمار في رأس المال الديني بفتات دولارات، حوّلت خضرة دمشق ترابا وبهاء عدن ركاما وجمال بنغازي دما أحمر قان، خضرة تحوّلت بفعل الإسلام السياسي حمرة وسوادا واختلطت الدماء مع خضرة أرض عرفت كلّ الأديان فنسفوا ما ارتضاه الأجداد من تناغم بين الكنيسة والجامع وبين القسّ والإمام.

أمنية أن أحلم ليلة و لاتفاجئني اللّحًى بالويل والثبور وعذاب القبر والديدان التي تلتهم بؤبؤي عينيّ وجسدي المتهالك الفاني على أرصفة يوميّ يقتل فيّ الفرح وأهرع إلى النوّم ويطاردني حرّاس النوايا بتفجير يبلغ دماغي وتتناثر أفكاري فلا استطيع لمّ شتاتها.

  أمنية ثانية:

ليس غريبا أن أنهض صباحا في أوّل يوم للسنة الجديدة ويفاجئني خبر موت تونسيين بتركيا، فالموت اليومي أصبح عملتنا التي نتعامل بها في الأسواق العالميّة، فالأخبار لا تحمل لنا هذه السنوات فرحا، فإمّا تونسيّ قاتل أو تونسيّ مقتول، هل كُتب علينا، كما لم يُكتب لغبرنا، أن نموت أو نقتل، عام جديد بدأناه بخبر الموت، تونسيّان لا ذنب لهما سوى أنّهما مارسا حقّهما في الاحتفال، تونسيّان قتلهما الفكر المتغلغل في قرون الكهوف، قاتل بالموت العشولئيّ في شارع مزدحم بالعابريا والساهرين والسيارات المارة، رصاصات طائشة تقتل لمجرّد تواجدك في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ، قاتل باسم ماذا؟ وباسم مهما كانت تسميته لا يعرف للانسانية رحمة ولا طريقا، تونسيان افتتحنا بهما قائمة الضحايا الجدد، زمن تونسيّ سريالي: يا قاتل يا مقتول. سأعود إلى النوم علّي أرى التونسيين يعبران شارع الحبيب بورقيبة يبتسمان يتضاحكان يقبلان على رائحة الأشجار بشارع أراده التونسيّون شارع ثورتهم فتحوّل مفرخة للإرهاب ثمّ منبع إرهاب عالميّ.

أمنية ثالثة:

أجتهد أن أختم ورقتي بنفس تفاؤليّ، فالمطر بالبلد الحبيب سيكنس كلّ دعاة النّسف والقتل والمحاسبة على النوايا، ستبقى تونس وتخضرّ من جديد وسيينع فيها الورد وسنسير بشوارعها نهارا فخورين وليلا مطمئنّين، سنتمتّع بضحكات الصبايا عشيّة بسيدي بوسعيد وسنلمح العشّاق متحابين جذلين يسيرون على مهل لا خوف اغتيال أو اعتداء، سيكون لنا الغد الاتي، وسنسمع قريبا تكريمات لتونسيين وتونسيّات في المحافل العلمية وسترفرف رايتنا الوطنية عاليّة بملاعب الدنيا، وسيسمع العالم شعر الوهايبي والغزي والصليعي، وسيحاضر أساتذتنا بالسربون وبكامبرديج وسيقول العالم هذه تونس التي عرفناها، وسيدرك القتلة بالنّوم أنّ الخنق يولّد شدّتنا في الشّدائد، وأن الأزمة تنفرج إذ تشتدّ، وأنّنا سننهض صبحا نترشّف قهوتنا بشارع الحبيب بورقيبة ننظر إلى خضرته ونستمع إلى سنفونيّة العصافير، وما نراه منذ ليال ليس سوى أضغاث أحلام من مخرجين سيئي السّمعة ومن ممثّلين قتلة، وسنعرف حتما أنّنا سننتصر نورا وبهاء وفتنة ومتعة وحبّا للحياة، وسنهتف: إمّا حياة وإمّا حياة، وسيذهبون إلى الجحيم بعد أن يشربوا من ماء البحر.

مشاركة
الرجوع