• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/01/31 09:31

زمان ولد بوعنبة

زمان ولد بوعنبة

بقلم سعد برغل

جميعُنا يعرف قدرة التونسي على مخاطبة القوم باعتماد الأمثلة الشعبيّة فتتحوّل تلك الأمثلة من تاريخ صناعتها إلى معنى جديد يمكن أن يضيع معه أصل انطلاق المثل، وكلّما تذكّرت استثمار الأمثال من المخزون الشعبيّ التونسيّ وتراكم المسافة بين منطوق المثل وسياق إنشائه تذكّرت القولة الشهيرة " الي ما يدري يقول سبول"، فقد خرجت هذه القولة من سياقها القروي المرتبط بعلاقة جنسية ممنوعة إلى معنى عام مفاده أنّ الجهل بسبب أمر ما منذر بالوقوع في الخطأ في التحليل والفهم.

تذكّرت هذه القولة وغيرها وأنا أنظر اليد المعلّقة للمدرب الوطني بمناسبة ربع النهائيّ وإخراج اللاّعب الخزري، لاعب لم يقنع ومكّنه مدرّبه من مكان في التشكيلة الأساسيّة، تأسفت وأنا أسمع بالمقهى كمّ السبّ والشّتم للاعب من المفروض أنّه محترف؛ يحترم قرارات الهيأة الفنيّة، لكن سؤالا آخر ظهريين الزحام" هل كان بإمكان الخزري أن يقوم بما قام به لو كان فوزي البنزرتي هو المدرّب"؟ سؤال طرحه متفرّج وتفاوتت الإجابات ، فهناك من قال قد يتعرّض الخزري إلى الضرب مباشرة من البنزرتي، وقال آخرون قد يهين البنزرتي الخزري، وقال ثالث لن يلعب الخزري مرّة أخرى مع الفريق الوطني إذا كان البنزرتي مدرّبا، لكن كاسبارزاك لقّن الخزري درسا في الأخلاق إذ قال" أتفهمّ نفسيته وقد كان يريد اللعب إلى آخر لحظة لعلّه يساعد زملاءه"، لو كان الزمان غير زمان بوعنبة، لكانت ملفّات كثيرة أمام هيأة الحقيقة والكرامة حول هذه المصاريف ونتائجها، لكنّه زمان ولد بوعنبة.

ومع زمان ولد بوعنبة أو بوعنبة جونيور، نسمع هذه الأيّام عن الأنشطة في غير القناة الرّسميّة للسيد راشد الغنوشي في إطار البحث عن تسوية بين الفرقاء الليبيّين، تحركات وتنقلات ووضع لطائرة رئاسية على الذمّة وتصريحات وتطمينات وتعهدات ومقابلات لرؤساء ومتنفّذين سياسيّين، باسم من يتكلّم السيد الغنوشي؟ أين وزارة الخارجيّة التونسيّة؟ لماذا تركت الحبل لغارب النهضة أو من يمثلّها في الوقت الذي نحتاج إلى السلطة الرسمية لتفاوض على مصلحة حدودنا، لقد باع الإخوان كثيرا من المواقف هم سبب البليّة بليبيا، فهم من رفض نتائج الانتخابات، وهم من بادر برفع السلاّح، وهم من أوى إرهابيّي تونس والجزائر، وهم حلفاء النهضة بالأمس وضيوفها عندنا، واليوم، في زمن ولد بوعنبة، يتصدّر مشهد المفاوضات زعيم حركة سياسية ويتأخر وزير الخارجية التونسيّ، وتصبح وزارة الخارجيّة مجرّد قسم داخليّ من أقسام الإدارة المركزيّة بمونبليزير، ولد بوعنبة يعيش معنا وبيننا وينتقل بطائرة رئاسية ويعقد الصفقات ويبرم المعاهدات في ظرف تونسيّ كان إلى عهد قريب يتباهى بالديبلوماسية التونسيّة  وبنجاحاتها، ويا حسرة على بوعنبة الذي لم يكن يسمح لرئيس حزبه بالتدخل أو الوساطة الخارجيّة، ويوكل الأمور مهما تعقّدت إلى وزير خارجيته، من باب الضحك على الذقون واستبلاه " شعب تونس العظيم" قيل إنّها ديبلوماسيّة شعبيّة"، تلاعب بالألفاظ لا يعني عندي سوى تفتت الدولة وبداية عصر المليشيات وارتهان القرار الوطني إلى الملل والنّحل، طريق إلى الصّوملة.

الحاصل قدّمت حالتين لسياق تونسي يتحكّم فيه " ولد بوعنبة" ولكن هي فرصة للقارئ حتى يعرف أنّ القولة هي " يا حسرة على زمن بوعنبة" غابت مصادر صناعتها واكتفت الروايات بالمعنى القيمي الذي يعني الحسرة على أمر فات مرتبط بشخص، ولكنّنا اليوم رغم تحسّرنا على زمن بوعنبة نظرا إلى حالات الانفلات في زمن "ولد بوعنبة" فإنّ الأمور يجب أن يتداركها القائمون على شأن هذا البلد، يتساوى في ذلك سلوك لاعب منتخب يمثّل تونس بالمحافل الدوليّة أو وزير الخارجيّة التونسيّة؛ فهو اللاّعب الرئيسيّ وعليه ألاّ يتنازل عن وظيفته لأيّ شخص ولو  كان " بوعنبة" شخصيّا  ولكم في تسليم البغدادي المحمودي عبرة.

مشاركة
الرجوع