• أخبار
  • مقال رأي
  • 2014/04/30 11:20

في برنامج الباكلوريا والإيديولوجيا الدينيّة: عندما "يغذّي" التعليمُ الإرهاب

في برنامج الباكلوريا والإيديولوجيا الدينيّة: عندما

بقلم منصف الوهايبي

هذا موضوع كنت قد تحدّثت فيه منذ بضع سنوات في لقاء جمعني بجمع من متفقّدي اللغة العربيّة في سوسة، ونبّهت إلى خطورته. وأجدني اليوم أعود إليه بعد هذا الظهور الغريب عن تونس، لطوائف من الجهاديّين. والموضوع الذي يكاد لا يأبه له أحد، أنّ برنامج الباكلوريا آداب؛ يدفع إلى البحث فيه والتساؤل عن مدى جدواه في مجتمع نطمح إلى أن يكون حديثا منسجما مع عصره وتقاليده النيّرة. والمقصود هذا المحور الذي لا محلّ له من الإعراب: شعر الحماسـة الذي أقرّ سنة 2006/2007 من خلال قصائد لأبي تمّـام والمتـنبّي وابن هـانئ الأندلسي. وما يسوّغ العودة إلى هذا الموضـوع والعودة “عليه” في ذات الآن، أنّه محفوف بمحاذير شتّى، لعلّ من أشدّها خطورة، سهولة الانزلاق إلى “الإيديولوجيا الدينيّة” وحصر الحماسة في مجرّد صراع بين “الإيمان” و“الشرك” أو بين "دار الإسلام" و"دار الحرب"، فيما الحماسة في تقديرنا أعمق من ذلك بكثير. ودون خوض في التفاصيل، على ضرورة ذلك؛ نقترح على أهل الذكر مراجعةَ هذا المحور، أو حذفه، أو استبدال الأدب الملحمي المستحدث في ثقافة العرب المعاصرين به.

نحن نعرف أنّ الجنس الأدبيّ قد حدّد منذ القدم بالرّجوع إلى القصيدتيْن الطّويلتين لهوميروس: الإلياذة والأوديسة. وقد مثّل هذان النّصّان نموذجا للملاحم الأخرى القديمة حتّى العصر الوسيط، وعصر النّهضة. غير أنّ هناك نصوصا ظهرت في مختلف هذه العصور ظلّت ملتبسة إذ لم يهتد التّصنيف إلى حسم أمرها أهي من جنس الملحمة أم هي غير ذلك. ففي العصر الحديث يتحدّث فيكتور هيغو مثلا عن "ملاحم صغيرة" في ما يتعلّق بما سُمّي لاحقا "أسطورة العصور". Petites épopées La légende des siècles .

ثمّ إنّ الأمر توسّع بعد الأرسطيّة ليضفي صفة الملحمة على آداب غير إغريقيّة وغير أوروبيّة نظير ما نلفيه بشأن ”الشّاهنامه“ (أي”كتاب الملوك“) للشّاعر الفارسيّ الفردوسيّ (القرن11م.)، أو القصائد الكبرى في الهند القديمة ”الماهابـهاراتا“ حيث دام تأليفها قرونا (من القرن الرّابع ق.م. إلى القرن الرّابع م.).ويمكن أيضا ذكر "الرّمايانا" التي ربّما يعود تأليفها إلى ما بين القرنيْن الثّاني ق.م. والثّاني م. ونستطيع أن نجمل تعريف الملحمة على نحو مبسّط هو بالتّأكيد لا يفيها حقّ المفهوم؛ فنقول إنّ الملحمة سرد شعريّ مسهب يتعلّق بممارسة هائلة للقوّة تكون في نفس الوقت واحدة ومتنوّعة، كما تكون مترامية إلى أفضية وأحداث متفرّقة، لكنّها تكون في نفس الوقت متمحورة حول عدد محدود من الأبطال. وهذا التّعريف لا يعفي طبعا من تطارح كثير من الإشكالات التي ما زالت بعدُ تعلق بكلّ تناول لجنس الملحمة.

من ذلك، مثلا، هل تقتضي الملحمة بالضّرورة استحضارا للعجيب؟ و ما يدفع إلى مثل هذا السّؤال، هو أنّ معظم الملاحم تستدعي إلى دائرة أحداثها آلهة، وشياطين، وملائكة، وقوى غريبة غامضة.. فيكون السّؤال: هل يمثّل حضورها شرطا جماليّا للملحمة؟ لقد أثارت هذه المسألة بعض الخلافات بين بعض الدّارسين للملحمة، ويمكن أن نكتفي في هذه المناسبة بالإشارة إلى ما يقوله هيغل من أنّ إدماج الآلهة في الملحمة من شأنه أن يوفّر حضورا عينيّا وذاتيّا لقوى هي في الأصل قوى جوهريّة وكلّية، أي موضوعيّة.

ويكون ربطها شعريّا بالملحمة من قبيل ما ينحت هويّة موحّدة للآلهة والبشر حيث يتمّ التّأليف في نفس الوقت بين القوّة الكونيّة (الوظيفة الرّمزيّة للآلهة والخوارق الطّبيعيّة) وما يجري في الحياة من طباع (الوظيفة الرّمزيّة للبشر).

وعليه تكون الوظيفة الجماليّة للعجيب في الملحمة هي نفسها: أن توفّر للممارسة البشريّة أصداء هائلة تتجاوب في أبعد ما يكون من أفضية العالَم، فيتمّ إضفاء طابع إنسانيّ على هذا العالَم.

مشاركة
الرجوع