- أخبار
- مقال رأي
- 2015/05/16 10:53
أحمر شفاه جامعي

بقلم سعد برغل
شعرت بغمّ كبير عندما قرأت ما تداولت الصحف العالميّة من مناقشة السيدة الألمانية البالغة من العمر سنتين فوق المائة أطروحتها العلميّة في الطبّ بجامعة هامبورغ، أطروحة لم تتمكّن من متابعة تحريرها زمن النازيّة لأسباب اجتماعيّة، ، غمّ أسبابه متعدّدة لكنّ نتيجته واحدة:نحن نتعايش يوميّا مع طلبة يصارعون أنفسهم ولْنقم بجولة بسيطة في أيّة مؤسسة جامعيّة، ولْندخل المكتبة التي تصرف عليها المجموعة الوطنيّة مالا كثيرا، اسألوا القائمين على هذه الفضاءات عن عدد الكتب التي يطلبها الطلبة، تجد العدد كبيرا بقاعات المراجعة، وكلّ واحدة يحملق في شاشة حاسبوه المحمول أو في لوحته، ترتفع الأيادي وتنتشر البسمات والتمتمات وتمرّ بين الصفوف فتصفعك الأصوات المتداخلة المختلفة الصادرة من كلّ حاسوب، تلتف لتدرك أنّ كل الحاضرات والحاضرين يتواصلون مع العالم عبر حساباتهم بالفايس بوك، وإذا لاحظت لأحدهم أن الوزارة وفّرت التغطية بالنات لتسهيل الوصول إلى المعلومة العلميّة نظر إليك باسما مستهزئا متسائلا في قرارة نفسه" عن أيّة معلومة تتحدّث أيّها الأبله". ويعود للانغماس في شاشته وعالمه، وليس من باب الصّدفة أنّنا عند انتقالنا إلى المغرب الأقصى ومكوثنا أيّاما في جامعات مختلفة لاحظنا انعدام الشّبكة بمحيط الجامعة كلّه.
نحن نتعايش يوميّا مع اجتهادات كبيرة لطلبتنا في استثمار منتجات الحداثة للسّطو على العلم والغشّ، فأفضل الهواتف النقالة نجدها عند الطّالب لا عند الأستاذ، وإذا سألت عن ضرورتها تبسّم الطالب وهو يقول في قرارة نفسه" يوم الامتحان يُكرم البورطابل أو يُهان". ويتحوّل المراقب في الامتحان إلى المفتّش كولومبو يبحث عن الأماكن التي يمكن أن يحشو فيها الطالب وخاصّة الطالبة الهاتف، وكيف تمتدّ السّماعة متّبعة تعرّجات الجسد مخفيّة تحت الخمار لتصل الأذن، إلى درجة لاحظ معها أستاذ تضاعف عدد المحجّبات أيّام الامتحانات، امتحانات لو سلمت من الغشّ فلن تسلم من سرقات موصوفة من النات وسطو على منتوجات فكريّة وترجمة لاجتهادات الغير وإسنادها إلى السّارق باعتبارها مجهوده الخاصّ في شهادة ختم الدّروس.
عودة للألمانية التي احتفلت بسنتها الثانيّة بعد المائة بمناقشة أطروحتها في الطبّ، لا أتصوّر هذه السيّدة صاحبة حساب على الفايسبوك تسبّ فيه يوميّا زملاءها أو تتحدّث في سخريّة عن طلبتها أو تشتم فلانا أو تهدّد فلتانا، أو تتحادث تعليقا على جدارها مع زميلاتها فتوزّع عليهنّ صفات العلم والقدرة العلميّة من نوع" يا ساقطة" و"يا خامجة" و" با بليدة"، وتتغزّل بأخرى فتدعوها إلى استعمال أحمر الشّفاه لأنّه أكثر إثارة، وقد تعثر، عندما يرتطم بصرك بتعليقات لجامعيات تونسيات أو جامعيين، بسباب وعراك ومستوى لغويّ رهيب، ومع تحوّل قاعات الأساتذة معرضا للأدباش والملابس الدّاخليّة وأنواع العطور ستعرف حتما أنّ العلل الجامعيّة تتجاوز الطّالب إلى الأستاذ قبل المؤسسة الجامعيّة وقبل الوزارة، فكما تكونوا يا جامعييّن يُولّى عليكم.