• أخبار
  • مجتمع
  • 2023/09/07 14:15

الجرائم الإلكترونية في تونس: تطّور الأساليب.. سهولة الإفلات من العقاب وضعف الثقافة الرقمية

الجرائم الإلكترونية في تونس: تطّور الأساليب.. سهولة الإفلات من العقاب وضعف الثقافة الرقمية
باتت تونس تواجه تصاعدًا ملحوظًا في عمليات السرقة والتحيّل الإلكتروني بشتى أنواعه المختلفة، ونتيجة لذلك أصبحنا نشهد بروز نفس الجرائم المادية في العالم الافتراضي كانتحال الصفة والتشهير والشتم والابتزاز والاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم الأخرى المتفشية عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار قلق التونسيين الذين أصبحوا بمثابة "فريسة سهلة المنال وضحايا لهذه الجرائم المتعددة. 

ورغم وجود ترسانة من القوانين الرامية للحدّ من الجرائم المستجدة، إلاّ أنّ تناميا لافتا لعدة أساليب مبتكرة للجريمة الرقمية التي يصعب كشفها، تمّ رصده حسب بحث ميداني قمنا بإجرائه.

تطور أساليب الجريمة الرقمية في تونس

في هذا السياق، سلّطت الجوهرة أف أم الضوء على مختلف الجرائم الإلكترونية المنتشرة في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمّ التوصل إلى وجود عدّة شركات توصيل وهمية لديها صفحات على الإنترنت، تعمل على استقطاب الضحايا وكسب ثقتهم بهدف الاحتيال عليهم وسلب أموالهم، إضافة إلى الاستيلاء على سلعهم.
ومن خلال البحث الميداني، توصلنا إلى وُجود أكثر من مئة عائلة تونسية تعرّضت للاحتيال من طرف شركة توصيل، إدّعت أنها تعمل في مجال التجارة الإلكترونية عبر تكوين صفحة مزيفة على موقع "فيسبوك"، وبعد كسب ثقة مجموعة كبيرة من التُجّار، أقدمت على الاستيلاء على جميع سلعهم وأموالهم التي قدرت قيمتها بـ 300 ألف دينار حسب شهادات الضحايا، كما تعمد المتورطون في هذه السرقات، إخفاء جميع الأدلة التي من الممكن أن توّرطهم، بما في ذلك الصفحة الخاصة بهم، وبعد التحرّي في الموضوع، تمّ التوصل إلى وُجُودِ عدّة صفحات أخرى تنتهج نفس الأسلوب من أجل التحيّل على المواطنين وسرقة أموالهم.

في سياق متصل، اعتبر القاضي الدكتور فريد بن جحا، أنّ العالم الافتراضي تحوّل إلى ملاذٍ لمختلف الجرائم الإلكترونية وخاصة جرائم الاعتداء على المعطيات الشخصية، معتبرا أنهم من أكثر الجرائم الشائعة في المحاكم التونسية، كما بيّن المتحدث في حديث أدلى به للجوهرة أف أم، أنّ كُلّ تطور تكنولوجي يليه تطوّر في أساليب الجريمة في الفضاء الرقمي، مشيرا في هذا الصدد، إلى اعتماد تكنولوجيا تعديل الصور بالاستناد لتقنيات الذكاء الاصطناعي عن طريق تحويل الصور العادية إلى صور فاضحة باستخدام عدّة مواقع إلكترونية، وهو ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي غير آمنة، باعتبار وجود خرق للخصوصية من أجل غايات ربحية تصل إلى التهديد والابتزاز الإلكتروني من أجل تحقيق عدة مصالح شخصية.

كما أظهر البحث الميداني، انتشار العديد من الصور المخلة بالأخلاق عبر مختلف المنصات الإلكترونية وتحديدا عبر منصة تيليغرام، وهو ما دفع البعض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن استغرابهم من ظهور هذه الصور، واستيائهم من اعتماد هذه التقنية لا سيما وأنها باتت تشكل تهديدا لسلامتهم، خاصة فيما يتعلق بخصوصية حساباتهم الشخصية، وذلك نظرًا لصعوبة الوصول إلى الجاني لقدرته على إخفاء معطياته الخاصة واعتماد حسابات وهمية بهدف ابتزاز الضحية بصورها.
في ذات الصدد، اعتبر القاضي الدكتور فريد بن جحا، أنّ الجريمة الإلكترونية تتطلب الكثير من الوقت للبحث لمعرفة الجاني، مضيفا أنّ هذا النوع من الجرائم يخضع لعدّة أجهزة خاصة في التتبع من طرف الوكالة الفنية للاتصالات، حيث يتم تسخير إدارة الاتصالات للتعرّف على أصحاب الحسابات المزورة وهو ما يتطلب مدة زمنية طويلة مقارنة بالجرائم المادية.

ضعف الثقافة الرقمية مع غياب وسائل الحماية والتوعية:
وبعد التحري والبحث في مختلف الجرائم الإلكترونية المنتشرة في الفضاء الافتراضي، تمّ أيضا تسجيل ارتفاع لافت لعدد الصفحات الوهمية على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعمل على إيهام المواطنين ببيع منتجات أو سلع ذات جودة عالية من خلال نشر صور وفيديوهات جاذبة، لا تمت للواقع بأيّ صلة بغاية الإشهار وجلب أكبر عدد من المتابعين، ولكن بمُجرد التواصل مع المشرفين عليها، والتقدّم في مراحل اقتناء المنتوج، يتم التفطن إلى أنّ صور السلع المعروضة، مُزورة أو لا تعكس حقيقة المنتوج لا من حيث الشكل أو المحتوى.
وفي بعض الحالات تسببّ ذلك في إلحاق أضرار صحيّة جسيمة ببعض الضحايا، عبر بيع منتجات تجميل غير مطابقة لمواصفات السلامة.
ومن بين ضحايا عمليات التحيّل الالكتروني، أكدّت سيّدة في حديث للجوهرة أف أم، اقتناء بعض المنتجات الخاصة بالبشرة ولكن فور استعمالها للمنتج تسبّب لها في حساسية مفرطة، استوجبت زيارة الطبيب بشكل عاجل، مضيفة أنّها أنفقت أضعاف سعر المنتج على عملية العلاج وشراء الأدوية اللازمة.
المتحدّثة بيّنت أيضا، أنّها تلقت تهديدات من المشرفة على الصفحة، بعد أن طالبتها بالتعويض لها عن الضرر الصحي والخسائر المادية.

من جهتها أوضحت الباحثة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري، وجود نوع من 'الاستسهال' في  استخدام منصات التواصل الإجتماعي، خاصة فيما يتعلق  بالتعامل مع مختلف الصفحات دون التثبت من صحتها، وأرجعت أسباب تنامي الجرائم في الفضاء الالكتروني، إلى ضُعف الثقافة الرقمية في تونس، إضافة إلى غياب وسائل الحماية والرقابة الرقمية وسهولة تخفي المتحليين وراء حسابات مزيفة بهدف الكسب السهل للأموال وتحقيق مصالح شخصية.
وتفسيرا لذلك شدّدت المتحدثة لجوهرة أف أم، "على أهمية العمل على الجانب الوقائي من خلال التوعية والتحسيس بخطورة هذه الجرائم مع ضرورة اعتماد تقنيات حديثة للحدّ من نشر المعطيات الشخصية والمحافظة على خصوصية مستعملي الفضاء الرقمي"، مشيرة في هذا الإطار، "إلى أنّ معالجة المسألة من الجانب القانوني فقط لا يكفي لمكافحة هذا النوع من الجرائم، باعتبار أنّ المُتحيّل سيحاول ابتكار استراتيجيات وآليات جديدة للخروج عن النصوص القانونية ما يؤدي إلى صعوبة حصرها والحدّ منها"، حسب تقديرها.
واستنادا لنفس البحث الميداني، تمّ التوصّل إلى وُجود عدّة عمليات تحيّل بالغة الخطورة تعلقت بالبطاقات الإلكترونية، حيث تقدّم عدد من المواطنين بشكاوي قضائية جرّاء تعرضهم لسرقة أموالهم.

صعوبة الإثبات.. سهولة الإفلات من العقاب

وأظهرت جلّ الشهادات وجود صعوبات من أجل استرجاع الضحايا لحقوقهم وأموالهم المسلوبة رغم تقديمهم عدة شكاوى في الغرض، وفي هذا السياق، أفاد المحامي والخبير في الجرائم الإلكترونية علاء الخميري، في حديث للجوهرة أف أم، "أنّ التكنولوجيا المستجدة تشكل وسيلة لتسهيل القيام بالجرائم الرقمية ممّا يؤدي بدوره إلى ارتفاع ثقافة الإفلات من العقاب نظرا لمواجهة عدة صعوبات في فهم بعض الجرائم المستحدثة وتتبعها وإثباتها قانونيا"، حسب تقديره.
كما بيّن المُتحدّث "أنّ المرفق القضائي غير مُتعوّد على بعض الجرائم الجديدة، إضافة إلى وجود  نقص كبير في عدد الفرق الأمنية الخاصة التي تعمل على محاربة الجريمة السيبرانية مقارنة بالنسق المرتفع لهذه الجرائم في تونس، مطالبا بضرورة إيجاد حلول جذرية لمنع تفشي الجريمة الافتراضية، كانتداب موظفين مختصين في المجال الرقمي بوزارة الداخلية وتدعيم عملهم بالآليات التقنية اللازمة، مع مزيد تكوين كُلّ المتدخلين في الشأن القضائي من محامين وقضاة و ممثلي النيابة العمومية لمعرفة أساسيات هذه الجرائم خاصة على مستوى طرق الوصول إلى الإثباتات والأدلة،  وتأطير باحثي البداية وأعوان الضابطة العدلية الذين يتلقون الشكاوى بصفة مباشرة، نظرا لأهمية الجهد المبذول في البحث الأوّلي في أيّ قضية يتم الاشتغال عليها"، حسب تعبيره.

إذا يبدو أنّه لا مناص من القول بأنّ عمليات "التصيّد الإلكتروني" تفاقمت بشكل رهيب في تونس وهو ما أثار مخاوف التونسيين بخصوص مدى قدرة أجهزة الدولة على تأمين الحماية الرقمية اللازمة لمستخدمي الإنترنت بصفة عامة، كما ساهم تشخيص الخبراء، في ضرورة العمل على إعادة النظر في مدى نجاعة الترسانة القانونية التونسية ودور السلطة القضائية في مناهضة جميع أشكال الجرائم الرقمية، وتوصياتهم للسلطات التونسية، بضرورة قيامها بالتطبيق الفوري لبعض الحلول الجذرية من أجل تحقيق السلامة المعلوماتية والرقمية، وأهمية تحديث القوانين أو إصدار تشريعات جديدة، مع مراعاة الحرص على مواكبة التقدم التكنولوجي، وابتكار تقنيات حديثة خاصة بالرقابة الرقمية، من أجل الحدّ والقضاء على ظاهرة الجرائم الإلكترونية المستحدثة في تونس.

نجوى السالمي

مشاركة
الرجوع