• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/04/19 15:08

السقوط الإعلامي

السقوط الإعلامي

بقلم سعد برغل.


تردّدت  كثيرا قبل أن أكتب في هذا الموضوع لأسباب تتعلّق بعدم الكتابة في مواضيع لا ترقى في ممارستها إلى الحدّ الأدنى من اللياقة الانطلوجيّة المتعلّقة بقطاع من القطاعات، مثَلها في ذلك مثل التناقضات التونسيّة بين المطالبة بالحثّ في التّشغيل ومنع الآخرين من الشّغل، 

ومثَلها مثل المطالبة باجتياز الامتحانات بمنع الآخرين من اجتياز الامتحان، ومثَلها في ذلك مثَل التنديد بمن وردت أسماؤهم في الدفعة الأولى من وثائق بنما والمطالبة بإقامة حدّ السّرقة عليهم والتشكيك في صدقيّة الوثائق عندما ظهرت أسماء أخرى لأحزاب تدّعي التكلْم باسم الله، ومثَلها في ذلك مثَل الماسكين بملفات الفساد المتصايحين بملكيتهم لوثائق الإدانة وتصريحهم باستحالة تفعيل المتابعات القضائيّة، ومثَلهم في ذلك مثل المطالبين بالقطع مع دولة الفساد والمحسوبيّة والمتدخّلين لفائدة أقاربهم ، ومثَلهم في ذلك من كرّم صديقا ميّتا بأن شكّك في سلوكه الثقافي واتّهمه بالسطو والإغارة وهو يدبّج نصّا أراده مرثيّة لصديق العمر الثقافي.

كان المشهد الإعلاميّ في تطوّره من  المكتوب إلى  السمعيّ إلى البصريّ إلى التفاعليّ قد شهد خصومات وعدم وضوح الخطّ  الإعلاميّ أو ما يُعرف اليوم بالخطّ التحريري للقناة أو الجريدة، لكن بسبب من تراكم التجربة الاتصاليّة أصبحت المسألة واضحة: هل يمكن أن نمجّد اليوم في أعتى الديمقراطيّات النازية أو الفاشيّة؟ هل يمكن للقنوات الغربيّة والأمريكيّة أن تشكك في الهولوكست والمحرقة النازيّة، على ما تبيّن لاحقا من تضخيم اليهود لأسباب ابتزازيّة  لهذه الظاهرة التاريخيّة التي ماتزال بعض الشعوب تدفع ثمنها وتموّل المجموعات الكيان الإسرائيليّ بتشريعات فرنسيّة حافزة على دعم الكيان؟ هل يمكننا اليوم في أعتى الديمقراطيات أن نطالب بحقّ الإرهابيين في التعبير المباشر والحديث للجماهير؟ هل انتفض الحقوقيّون عندما منعت المحاكم البلجيكيّة محامي الإرهابيين من التحدّث إلى وسائل الإعلام"؟

أرى منذ مدّة تخصّص بعض المنشطين الإذاعيين، وبعض المنشطين بالتلفاز بصدد ممارسة سقوط إعلاميّ رهيب، فكثيرا ما سمعنا أمهات " الإرهابيين" تتحدّثن عن حنان أبنائهن؛ وكثيرا ما سمعنا بكاء زوجة إرهابيّ تركها للعراء وتطالب بحقها في تأمين مسكن لها ومأكل، وكثيرا ما سمعنا متّهمين بحرق المراكز وقطع الطرق وغلق المنشئات يطالبون في صوت مرتفع عبر استضافات بمحاسبة المسؤولين عن منعهم من قطع الطريق والأرزاق، وكثيرا ما سمعنا تلاسنا بين دعاة التديّن وغيرهم لمجرّد أنّ إحداهنّ سافرة، ولمجرّد أنّ اختلافا في الرّأي قد حصل، إلى درجة أنني أتساءل هل لهذا المنشط قدرة غير القدرة على استضافة البذاءات البشريّة، بذاءات تنطق سفاهة تجاه المرأة وتتفرّغ لحملات تشويه للمرأة التونسيّة، بذاءات عرفنا نضالها عبر معجم لاأخلاقيّ مطالبة بالحصول في جراية شهريّة، بذاءات هدّدت بالفيديوهات هبر الشبكة العنكبوتيّة المواطنين واعتدت على حرمة رئيس الحكومة ورئيس الجمهوريّة في نتانة معجم وبذاءة لسان لا نظير لهما باسم حريّة التعبير، ونجدهم ضيوفا يدخلون بيوتنا، يسبّون زوجاتنا وأخواتنا وأمّهاتنا، و لا موقف للاتصاليين سوى الضحك والتبسم وتكرار جملة يأس اتصاليّة" نتوقّف قليلا لأن الجوّ مشحون".

سقوط إعلاميّ يستضيف فيه المنتجون كافون مع المنصف المزغني و"العنقور" مع حسن بن عثمان، ورقّاصة كابرايهات مع آمال موسى، ويعود الموضوع المتكرّر المتلبّد" المرأة" و يستضيف فيه المنتج دعاة جهاد النكاح مدافعين عن "حجابي عفّتي" ويستضيفون عميد كليّة الآداب والفنون بمنوبة مع من اعتدى عليه في مكتبه، كلّ ذلك باسم حريّة التعبير وإنارة الرأي العام.

سقوط لا تنفع فيه خطابات الهايكا، التي لا تسمع في مرات كثيرة، و ولا تنفع معه دروس سلوى الشرفي ومحمد شلبي ولا تنفع معه وفيه تنظيرات الصادق الهمامي، دروس في انطولوجيا الاتصال وأخلاقيات التعامل مع المشهد السمعيّ البصري، سقوط إعلاميّ جرّ البلاد إلى حرق سفارة واعتداء على الأرواح والممتلكات وغذّى النزعة الجهويّة، وهاهو اليوم يقتحم علينا بيوتنا باستضافات لا زاد لها ولا زوّاد سوى سلاطة لسان وعدم احترام لنا ولهم وللكل.

مشاركة
الرجوع