• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/03/16 14:22

الطريق إلى البلفيدير

الطريق إلى البلفيدير

بقلم سعد برغل


سأكون سرياليّا بعض الشيء وأنا أتحدّث عن البلفيدير، حديقة كانت رئة العاصمة سنوات الخضرة وهيبة الدولة، بقلب العاصمة يسرح إليها العشّاق، ويهرع إليها الصغار باحثين عن البطّ والماعز والأسد والحمام، ويتوجّه إليها الشيخ باحثا عم سكينة قهوة يترشّفها أمام بركة يمرح فيها البطّ، كانت البلفيدير محطّة سياحيّة ضرورية لكلّ من زار العاصمة من التلاميذ، فقرات كثيرة أنتجها تلاميذ تونسيّون يصفون البلفيدير.

واليوم في ظلّ الحكمة الرشيدة وهيبة الدولة التي تتعطل فيها سفرات الناقل الوطني بسبب خصومة بين مجرّد شخصين، اليوم في ظلّ برنامج السبسي بإعادة الهيبة للدولة، اليوم ( لقد أساء السبسي لهيبة الدولة مرّتين: مرة أولى لمّا ركبها شعارا لحملته الرئاسيّة وثانيا لما مرّغها في الوحل وأضحك الناس منها كلّما جاء ظرف اقتضى فعلا هيبة الدولة) أجدني أرثي البلفيدير ، رئة العاصمة التي أصابها فيروس بالكبد.

طريق لأوّل إليها يقودنا إلى بشاعة قتل التمساح بها، قتل وحشي لا تضاهيه إلاّ فيديوهات دواعش تونس بسوريا، قتل وحشيّ بائس يكشف درجة الدّمار التي يعيشها التونسيّ،إحباط وجد طريقه نحو الكلاشنكوف وقتل الناسّ باسم المقدّس، وإحباط آخر ظهر في قتل وحشي لحيوان صرفت المجموعة الوطنية أموالا ليساعد الناس الزوّار على تجاوز حالات الإحباط! ما الدافع إلى القتل؟ أين علماء الاجتماع ؟أين علماء النفس، حال القاتل كحال من سلخ معزاة وهي حيّة ونشرها، وكحال من أقام للأرانب سباقا على مضمار كلّه شوك، حالات غير استثنائية من مازوشيّة تونسيّة وجدت طريقها إلى جينات  قتل في خريطتها.

البلفيدير، طريق آخر للقتل بواسطة شاحنة، هرب من مخالفة قانونية وما استطاع كبح آلته، فقتل من قتل وجرح من جرح، موت للمواطن موتا عبثيا، ومعه يتحوّل البلفيدير رمز العشق والسكينة إلى رمز للموت والخراب وانعدام المسؤولية، مواطنون بلا رقباء، سائقون بلا ضمير، يعاني المواطن يوميا من هذه الحالات المرضية، وكلّها انعدام هيبة الدولة وإفلات المجرم من العقاب، دولة تعجز عن تسيير شركة خطوط جوية، دولة تعجز عن تسيير مناجم الفسفاط، دولة تعجز عن فتح طريق أغلقه معتصمون، دولة تعجز عن محاسبة موظف، دولة تعجز عن حماية وزرائها، دولة كهذه أفضل منها اليأس كما قال مظفر النواب.

طريق ثالث من البلفيدير هو منطقة مكتب الإدارة العامة للتظاهرات الكبرى التي شهد الأسبوع جدلا مع استقالة أو إقالة آمال موسى، لأن النصوص الترتيبية تقول إنّ الهيآت المديرة تعمل تحت إشراف وتصرف المدير العام، سمعنا لغطا كثيرا وهرع الكثير على مواقع التواصل الاجتماعي يدلي برأي في حرية الإبداع وعودة المنظومة القديمة ومحاربة ، ومن المفارقات أنّ كل الصفات ظهرت بالمناسبة، فأصبح السيد الوزير كاتبا بصحف النظام، وأصبح بلا استراتيجية، وأصبح مبذّرا للمال العام، تابعت طريق البلفيدير المؤدي إلى الإدارة العامة، فوجدت في طريقي علامات رداءة محزنة: سأقترض أن السيدة آمال موسى بقيت، هل سيتأخّر السؤال الثقافي: متى سنقطع مع ظاهرة تعيين القائمين على الشأن الثقافي؟ لماذا لا نفتح باب الترشح بالملفات لأيام قرطاج الشعرية والمسرحية والسينمائية، والمهرجانات الكبرى؟ هل يحقّ لنا أن نستقيل ثم نلهث من فضاء إلى آخر متوترين، مَن قَبِل مبدأ تعيينه عليه أن يقبل مبدأ الاستغناء عنه، ولم يفهم لعبة الإدارة وصرامة نصوصها عليه أن ينكبّ على مراجعة دروس النحو والصرف، فاللحن قد أصبح عاريا من الماكياج وللتقدّم في السنّ أحكامه، طريق البلفيدير يجعلني أعيد طلبا سالفا: ابتعدوا عن تعيينات شخصية لا يمكنكم غدا محاسبتها، اعتمدوا كالشعوب المتحضرة التعيينات عبر الترشح وبرامج العمل، أما رعوانية التعيين لأسباب شخصية أو انطباع ذاتي أو توصية حزبية فستأخذ وقتنا في متابعة ترّهات أسقطت هيبة الدولة العاجزة عن حماية تمساح بحديقة والعاجزة عن حماية زوار حديقة وعاجزة عن اقتراح منظومة جديدة لإدارة الشأن الثقافي للتظاهرات الكبرى.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.  

مشاركة
الرجوع