• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/12/20 14:17

ثرثرة في أفق مسدود

ثرثرة في أفق مسدود

بقلم سعد برغل

 أبدأ هذا المقال بابتسامة عريضة لا واعيّة جعلتني أتساءل هل من حقّي أن أسخر من نفسي أو أن أهجوها بعد أن أفنيت بعضا من العمر أكتب عن الآخرين وفي الآخرين مدّعيا قدرتي على فهم الأشياء ما ظهر منها وما خفي،

قلت أبتسم لأني مؤمن منذ سنواتي الدراسية أيام التلمذة أن " الجمل ما يراش حدبتو" طبعا تزداد قناعتي كل يوم أنّنا عالم عربيّ لا يفهم من حياته سوى ما يريد الآخر أن يفهمك إياه عالم تتحكم فيه نزوات موروثة عبر تراكم عصور من القهر والانحطاط والشعور بالدونية وبالظلم الذي تسلطه مختلف الأنظمة على عقولنا العربية.

أعرف أنك تقرأ كلمة الأنظمة وتتصورني أتحدث عن القذافي وزين العابدين ومبارك ومن لفّهم من قوى التسلط العربي المعاصر، لكني بصدق لم أفكّر في هؤلاء لأنهم هم ذاتهم ترجمة واعية لعهود القهر العربي الذي عاشه أسلافنا باسم الفتوحات وعاشه أسلافنا باسم المقدس وعاشه أسلافنا باسم العيب وعاشه أسلافنا باسم العار وعاشه أسلافنا باسم المحرمات.

أعرف أنك تتابع ما أكتب عن النزوات ولا تتساءل عن جينات القتل التي تتوارى في أعماقنا بشكل وحشي كأنّنا لم نغادر الكهوف البدائية الأولى كأن لا تستغرب حالات القتل على المباشر لسفير دولة روسيا بتركيا ممزوجا بطلقات نار وتكبيرات حقّ في غير موضعها جعلت منّا كلّنا رغم أنزفنا مشاريع قتلة في نظر الآخر، وحشية تقتيل بدم بارد للسوريين والعراقيين واليمنيين والألمان المحتفلين، ثقافة لا تعرف للبهجة سبيلا، تقتل في أصحابها الحق في التمتع وتتسلط على الغير وتحرمه حقّه في الحياة وباسم نزوات تاريخية وادعاءات زائفة كاذبة لخير أمّة أبدعت في التقتيل والقتل والاعتداء على الحرمات الجديّة والذهنية للشعوب منذ قرون.

أعرف كذلك أننا نقرأ تاريخنا المعاصر بعين متوحشة متعطشة أحيانا إلى الدماء في تماه مع فرسان الرسالة حتى أصبح فيلم العقاد مرجعا من مراجعنا التي كوّنت صورة عن سيف الله المسلول بالحق وتطوّر السيف وأصبح أسلحة أوتوماتيكية ولم تتغيّر وحشية القتل بدم بارد، قتل لنفس أمر الله أن نحفظها بكلّ وجوه الحقّ ، ثقافة لا ترى في الآخر إلا مشروع جسر لحوريات وجنة موعودة باسم مقدّس نتج عن تراكم تأويلات يعرف صحّتها إلا الله العزيز القدير.

أعرف أنّ الثرثرة اليوم بالتلفاز وبالراديو أصبحت ميزة يقول عنها أصحابها أنهم خبراء، ولكن إلى حدّ اللحظة لم أفهم كيف يقتل لابس بذلة جميلة جدّا وصاحب رباط عنق بألوان زاهية وصاحب حذاء لامع ووجه حليق وشعر مرتّب  يكشف ظاهريا كلّ مظاهر التمدّن والتسامح ديبلوماسي ببرودة أعصاب ويسمح لنفسه بالاعتداء على آلاف المسلمين بتشويه دينهم الحنيف، قتل يكشف أن ظاهر البشر يمكن أن يخفي مجرمين قتلة بلا رحمة.

ثرثرة أعرف مسبقا أنّنا سنترك معها للأجيال القادمة  كثيرا من المآسي والذكريات المدمرة للحضارة والانسانية وأننا يوميّا نقتل الإنسان فيها ونصعّد كلّ ثانية الوحش الكامن في أعماقنا فبعد سنوات كثيرة سنضحك من أنفسنا حتى نقع على أرض لا نجد لها قاعا وسندفن أنفسنا في التراب لأننا لا نحتاج أكثر من حفر نردم فيها أجسادنا ضمن مقابر جماعيّة فقد أتعبنا الانسانية بفكرنا المتوحش وأتعبنا العالم بكراهيتنا للحياة واستنزفنا مقدرات الشعوب إرضاء لشهوة الدم التي تراكمت عبر عقود من السقطات باسم المقدّس.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال. 

مشاركة
الرجوع