• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/05/19 10:55

جبّة تونسيّة أو جلباب أفغاني؟

جبّة تونسيّة أو جلباب أفغاني؟
بقلم سعد برغل

أفكّر أحيانا كثيرة في أن أصمت، ولو بعض وقت، عن قناعاتي التي ترسّخت من زمان المتعلّقة بالإسلام السياسي، رغم الشعارات التي يحاول أصحاب المرجعية الدينيّة أن يقنعونا بها، وأعرف معرفة صادقة أنّها مجرّد شعارات لا تعني شيئا ولا تُلزم أصحابها، فهي شعارات مرحلية تحت ضغط الواقع، 

واقع وطنيّ يدفع غير المقتنعين بالديمقراطيّة إلى رفع شعارات التعايش الديمقراطي، وتدفع المقتنعين بالشريعة وأحكام ابن تيميّة وابن الباز وابن عثمين والقطبيّين إلى تمجيد الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية الضمير، لكنهم بمجرّد الانتقال من المنابر الإعلاميّة إلى المنابر المسجديّة يسترسلون في الدعوات الفاضحة إلى قتل المخالف والمرتدّ وأهل الذمّة مستشهدين بآية الحراب وما لفّ لفّها من أوامر صريحة بقتل الكافر غير المسلم ، حتى إذا صاح صائح تبرّأ السياسيّون من دعوات القتل التي يطلقها منتسبوهم موهمين الناس أنّ المسألة فرديّة أو كلام "أُخرج من سياقه"، والحال أنّ الجماعة نحلة منضبطة انضباطا حديديّا فكلّ كلمة من هؤلاء منظّمة ولها تكتيك واستراتيجيا، فأن يطالب منتسب للإسلام السياسيّ هذه الأيّام بانتخاب "الي يخافوا ربي" والوقوف ضدّ " الكفّار " من النقابيّين، ويطلع قياديّ من أهل الإسلام  السياسيّ بمناسبة مؤتمر النهضة على البلاتوهات بشعار" الحداثة والديمقراطيّة" لهُوَ تنسيق تكتيكيّ، فكلاهما من الزرق.

كانت صفحات الفايسبوك قد تصايحت، يمينا، أنّ اليسار يتّهم الشعب التونسي بالغباء وبالجهل لأنّه صوّت للنهضة، ونشروا كثيرا من التدوينات على المواقع الاجتماعيّة تندّد باليسار الذي يرى في موقف الشعب غباء سياسيّا، لكنّنا اليوم عندما نسمع قياديّا يريد إيهامنا أن النهضة باعتبارها حزبا دينيّا، أو ذو مرجعيّة دينيّة، يمكن أن يخرج عن طوق الإخوان المسلمين أو يمكن أن يراجعوا مقولات حسن البنّا أو السيد قطب أو الترابي أو مواقف الفيس الجزائريّة وعليّ عبّاس، مقولات الحاكميّة و"أعدّوا لهم ما استطعتهم " أو حوادث حرق التونسيّين وتفجير النّزل، كلّ ذلك بسيط وسهل، وليس عسيرا على نفس الأصوات أن نتقل من الدعوة إلى تبنّي التكفيريّين وتسفير الشباب والإسهام في عذاب السوريّين إلى الحديث عن ديمقراطية الأحزاب الدينيّة، هو مجرّد تكتيك ظرفي سيتخلّى عنه الإخوان بعد تغيّر الظرف الوطني والاقليميّ والدوليّ.

هل يمكن لكهل نسي تونسيته أكثر من أربعة عقود أن يتذكّرها اليوم؟ كيف يمكن لمن يرى في تونس مجرّد قطعة من أرض وجزءا من خلافة مترامية الأطراف أن يكتفي بأن يكون تونسيّا، وقد غرف من مقدّرات الغرب ما غرَف وبقي  بنظره كفّارا، كما تونس، أرض الغنائم، فغنموا أموالا حراما من خزينة الدولة على حساب المفقّرين، وحشروا أتباعهم بكل الوظائف العموميّة على حساب المعطلين حتى أضحت الانتدابات مستحيلة بسبب هذا التمكين النهضاوي، ولم يتوقف الأمر عند إدماج أصحاب  "النهب التشريعي" الذي يتمتعون بجرايات بلا عمل، بل عمدوا إلى تنصيب مُواليهم بلا كفاءة فبركت المؤسسات بعد أن اخترقوا الدّاخليّة.

اليوم، بعد أن سمعنا عشرات المرات أن الإرهابيين حاملي السلاح القتلة من بين أصحاب العفو التشريعيّ وممّن انتفع بالتعويضات السخيّة ألم يحن الوقت للزغلامي ومحرزية وبوشلاكة وكبيرهم الذي علّمهم أن تونس أرض الغيمة أن يسنّوا وهم الحزب الأغلب بالمجلس، بعد خيانة المؤتمن الموصوفة للنداء، قانونا يمكن بمقتضاه من تجميد الحسابات البنكية لهؤلاء المتمتعين بحقّ القتل والحجز على ممتلكاتهم حتى تسترجع المجموعة الوطنيّة ما سبق أن دفعته من لحمها بتواطؤ من الترويكا ومن إخوان الشيطان.

سيسعى الإخوان المسلمون، فرع تونس، إلى إيهامنا بأنهم ينوون التونسة وأنّهم سينضمون إلى حملة "البس تونسي" وأنّهم سيتنازلون عن الجلباب الأفغاني، وأنّ محرزيّة  لن تبتسم ابتسامة صفراء تغيّرها كلّما غيّرت حجابا ولن تُسوّق شعارا وهابيّا شكليّا " حجابي عفّتي" وأنّهم لن يعودوا إلى " شلاّط سوسة" وأنّهم سيقبّلون رأس المنجي الرحوي وأنّهم سيطردون تسعة وتسعين من منخرطيهم المقتنعين في  أعماقهم أن كل شعارات تونسة النهضة هي مجرّد شعارات لتلميع صورتهم بعد فظاعات الإخوان ورفع الحصانة الأمريكيّة عنهم.

سيسعى إخوان تونس إلى كلّ ذلك وأكثر وسيسعى فيلسوفهم المناشد إلى الفتنة باسم المقدّسات، وسيسعى أئمّتهم إلى تمجيد القرارات الإسلاميّة جدّا التي ستسمح بإعادة فتح افريقيّة، هؤلاء وإن خرجوا من جلدهم فلن يكونوا تونسيين، وهؤلاء ما لم يعتذروا عن الحرق والتفجير والتشليط ودعم الإرهابيين وعذابات السوريّين وسرقة مقدرات الشعب التونسي الغلبان فلن نتمكّن من ابتلاع حربوشة" تونسة النهضة".

مشاركة
الرجوع