• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/08/20 11:39

حالات شتى لوطن واحد

حالات شتى لوطن واحد

بقلم سعد برغل.

لست متأكدا أني بريء من السّطو على العنوان، تقول ذاكرتي التي بدأت تشكو من ثقوب كثيرة، أنّي استعرت العنوان من أحد الأصدقاء، وبودّي منذ البداية أن أعتذر إن سطوت، فكمُّ ما قرأت كثيرٌ، 

وقد أتبنى الرأي أو الجملة أو الفكرة ولا أعرف من صاحبها، لكن استحضر هنا رأيا جميلا للأستاذة آمال القرامي تقول فيه ما معناه" لماذا يجلس الجامعيّون إلى بعضهم البعض ويتناقشون ويعجبون بآراء بعضهم ويستحون من الإصداع بأنّ منطلق هذه الفكرة الزميل فلان، لماذا لا نعطي لبعضنا حقوقنا؟ كيف يسطو الواحد على الآخر في حين لا يكلفنا الأمر أكثر من جملة بسيطة "؟، لنترك الجامعيين الآن، فهم حالة من حالات هذا الوطن.

حالة أولى لهذا الوطن الممتدّ من تهريب البنزين إلى تهريب البشر أنّنا بإزاء وطن فريد في عقليته السياسيّة السرياليّة؛ سيلسيون وخبراء يندّدون بالتدني الرّهيب لاقتصاد البلد و يقبلون على التزوّد من البنزين المهربّ ومن المنتوجات المهربّة، ويتصايحون في التلفاز وبالجرائد عن ضرورة التصدّي للتهريب الذي نخر البلد ويمرون يوميا عبر أسواق اكتظت بالسلع المهربّة ويمرّون يوميّا في زياراتهم إلى "المناطق المهمّشة" بمئات السيارات رباعيّة الدّفع تحمل البنزين المهرب من ليبيا أو الجزائر يقودها شباب مجانين يعرّضون الكلّ إلى خطر الموت،ويندفع سرياليّونا من السياسيّين لتحميل محافظ البنك المركزي مسؤولية غياب الدينار من مواقع الصرف الافتراضيّة نظرا إلى بلوغه أدنى المستويات، ولا يفتحون فما عن البنك المركزي العلني الموازي بالطرق التونسيّة وبالمدن الحدوديّة حتى تقرأ على جدران الدكاكين " صرافة" " تحويل عملة" صرف"، وكلّه أمام السياسيّين التونسيّين الذين يتباكون على تدهور قفة الزوالي ويعدوننا بالحلول السحريّة.

حالة ثانية من حالات شتى لهذا الوطن الممزّق بين الأحزاب حتى إذا أجهزوا عليه وأصبح حالنا من حال مجاعة اثيوبيا زمانا ومن حال تمزّق اليمن اليوم ومن حال تناحر السوريين، يومها سيتفرّق دم هذا الوطن بين الأحزاب ولا يمكننا تحميل المسؤولية لفرد أو لحزب فالمحاصصة سيدة الموقف، وباسمها أغلقنا باب الانتدابات في الوظيفة العمومية، فقد حشوناها وحشرناها حشرا بكلّ منتسب للنهضة واستحالت المراجعة، أسأنا إلى ديبلوماسيتنا وما حاسبنا باسم المحاصصة، قتل من قتل، وضرب الرشّ من ضرب، واغتيل من اغتيل وسافر إلى سوريا من سافر، وفتحت من فتحت فخذيها لإخوتها في الدين ممن اشتهاها ولم تحاسب باسم المحاصصة، وسعى كلّ وزير من وزراء المحاصصة زمن ثورة سريالية إلى ضمان مركز له بإحدى الهيآت الدولية أو أحد مراكز البحث "الاستراتيجية" القطرية خاصّة، فأصبح الكثير من وزرائنا وموظفينا السّامين خدما عند قطر برتبة مستشارين، يحملون معهم أسرار وطن عسكريةً واستراتيجيةً ولا من تكلّم.

حالة أخرى من حالات هذا الوطن، حاويات لبلجيكي تحمل سلاحا، وظهر لاحقا أنها لعب بلاستيكية، وأصرّ البعض الآخر أنّها أسلحة، ولا نعرف إلى حدّ اليوم هل فرّقت الجماعة في النهاية الأسلحة على السلفيين أم على الصغار، حالة سرياليّة من التلاعب بالوطن في استهتار من المفروض تدريسه بأعتى الجامعات العالميّة، تلاعب مهوسين بالكذب على مولعين بتصديق الكذب، حالات شتى وأكثرها إرباكا ضجة إعلاميّة عن طبيب ترك خدمته وحمل معه أسرار الأمن القومي وسافر بحثا عن ابنه الطبيب بسورية، سافر من باب انسانية الانسان في تقتيل المخالف، ولكن سريالية الحالة التونسيّة تجعل نجم الإعلام اليوم نِسْيا مَنسيًّا غدا بقدرة قادر؛ ما الذي وقع مع قاتل باسم الطب والدين؟ أين انتهت قصته؟ وما نهاية قصّة من هرب وأعلن أنه يملك حقائق صادمة ستغيّر تاريخ تونس، ثم بقدرة قادر تبيّن أنّه مختلّ في نفس اليوم الذي أمضى باسم قناته الفضائية محضر لبثّ مباريات رياضيّة؟ أين وصلت الحكاية؛ بل أين وصلت الحكايات؟.

سيأتي يوم بتونس، سينقطع فيه التيار الكهربائي عن المنازل بداية من الثامنة مساء، وعندها ستجد الأمهات والجدّات مخزنا رائعا لحكاية أجمل الحكايات وأكثرها سرياليّة للأطفال، وسينام الصغار، جيل تونس القادم، على حكايات ذات أبعاد تربوية مهمّة مثل حكايات السحل والحراب، وحكايات المائة ألف انتحاري وحكايات المرأة المكلمة للرجل وحكايات الدار التي سيلتقي فيها الشهداء، وحكاية قفة الزوالي المثقوبة بسيارة رباعية الدفع وبنت تدرس بفرنسا، وسيسمع أطفالنا حكايات يشيب منها الرضيع عن مشايخ دوارنا وعن سياسي النكبة وبيع الذمة في أروقة شركات التأجير السياسيّة.

مشاركة
الرجوع