• أخبار
  • مقال رأي
  • 2017/03/28 12:39

رِزْق البِيليك

رِزْق البِيليك

بقلم سعد برغل

اخترت رزق البيليك لأنها تونسية كثيرة الانتشار، تعني أن الملك امْسيّب بلا أُمّالي، كما تقول لهجتنا، كلّ واحد يدّعي صارخا استماتته في الحافظ على الملك العام وضرورة التصدّي لكل مظاهر التخريب، 

والدلائل على هذا الحرص على رزق البليك كثيرة، منذ الثورة التي نعرف أنّنا لم نقطع فيها شجرة ولا اعتدينا على حرث، منذ تلك الثورة التي أعقبتها مطالبات الإسلاميين بإطلاق سراح الموقوفين وأساسا "خلية سليمان" وصياح القيادي الهاروني وراء لافتة ؛ أصبحنا نسمع مواقف فريبة تتصل برزق البيليك ، حمّة المناضل يخطب في جمع من التونسيين احتلوا مساكن حكوميّة بالقوة طبعا وتنازل عنها الصعاليك لبعضهم البعض بمبلغ ألف دينار، حمّة يقول لهم "هذي عمارة الثورة ومن حقّكم"ومن يومها احتار الحاكم في تنفيذ أحكام بإخلاء المساكن، مساكن تحوّلت بؤرة للفساد للشراب وللمخدّرات، مساكن قطعت عنها الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه الماءَ فتطوّع أحدهم بتوفير حنفية للجميع، وطالبهم يوم الانتخابات الأخيرة بالتصويت  لمن يخاف الله، ألم يُمكّنهم من الماء  في الوقت الذي طالبتهم الدولة بإخلاء المنازل!

رزق بيليك منذ تلك الثورة في اعتصامات سريالية بلغت  حدّ بناء جدار فوق سكة حديد ببلاد تنادي أخرى فيها بمدّ سكة الحديد، يتوقف أهمّ مصدر لتمويل المشاريع وإحداث مواطن شغل، أظنّ والعلم لله، أنّ كثيرا من المواطنين لم ينتبهوا إلى أهمية شركة فسفاط  قفصة مثلا إلا بعد الثورة، نقابيون دخلوا متاهات رزق البيليك، " حكْ راسك اعتصام"، رزق بليك مع تسوية وضعية عمّال النظافة بالبلديات، تكدّست الفضلات واعتصم المناضلون ورافقهم السياسيون، ودخلت تونس مرحلة مابعد الزبلة، واضطرت النيابات الخصوصية إلى القطاع الخاص لرفع الزبالة، رزق بيليك مع حشد المتمتعين بالعفو التشريعي في مؤسسات التربية والتعليم العالي حتى أضحى الكاتب العام للمؤسسة لا يعرف عدد العمال أو الموظفين، ويحتار في إيجاد مهمّة لكلّ واحد، وإذا صادف ولاطف أحدهم بملاحظة حول تغيّبه سارع  النقابيون والسياسيون إلى البلاتوهات مندّدين بعودة دولة البوليس، وأصبحنا نسمع يوميا اعتصامات أمام رزق البيليك يقودها سياسيّون يلهثون وراء الصوت الانتخابيّ ولا يعنيهم أمر المؤسسة العامة فهي رزق بيليك وموش ملك السيد الوالد، شهدنا حقوقية أكلت حقوق الصحافيين في إذاعتها الخاصة ثم انتصبت بتوافق سياسي تحاكم تاريخ تونس وتتّدعي أنّها تزيل الغبار عن عقود من التسلّط.

رزق بيليك ما يحدث في يوميات الناقل الجوي الوطني، خسائر بالمليارات، وتسابب وتعطيل لمصالح الناس، ويفتحون تحقيقا تلو تحقيق وتتضاعف الظاهرة وتتضاعف الخسائر  ويتضاعف عدد المستهترين بمستقيل الناقل الوطني، لا ضير فهو رزق بيليك، ويتصايح النقابيون كلّ يُغنّي على ليلاه، ولا نسمع في الأفق حلاّ لأمر تنظيمي بديهيّ ويتوقّف حال المسافرين، ويبرّر الوطنيّون جدّا ما يندى له الجبين، فللتضارب والتسابب والتلاكم يحدث في أعرق شركات النقل، ويضربون أمثلة من كلّ العالم عن حالات تأخير تحدث، ولا يملكون أمام استفحال الهمّ سوى رفع شعار بدأ التونسيون يضحكون منه، شعار المصلحة الوطنيّة.

رزق بيليك، جزء من الموروث اللساني عن الاستعمار الفرنسي، أصبح اليوم بتونس مبرّرا لا واعيا لكل حالات التخريب وتعريض المصلحة العامة للضّرر بلا رادع أو نيّة عقوبة، فكلّما تضرّر مرفق عموميّ سارع السياسيون إلى تعويم الأمور، ولا مشكل فهو رزق بيليك.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.

مشاركة
الرجوع