• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/09/30 14:48

على قدر أهل العزم

على قدر أهل العزم

بقلم سعد برغل

طبعا سيتادبر إلى ذهن القارئ البيت المدحيّ الشهير لأبي الطيب المتنبيّ، قاله في زمن كان الإحباط العربي قي أوجه، انتهاك للحدود واعتداء على المؤسسات وعاد الروم أشدّاء على العرب، قالها في عسكريّ مهزوم، 

كانت تلك المدحيات عكاظيات بلغة قحطانية خلّدت القادة وطبعت صورتهم لدى العرب ما يزيد على أحد عشر قرنا، بقي سيف الدولة رجل دولة محارب لا يعرف الإحباط إليه سبيلا، وبقي كافور الاخشيديّ عبدا يساق بالعصا، هذه هي الصورة التي بقيت خالدة إلى اليوم تبيّن أنّ ما يمكث في الأرض للرجال هي ما يتغنى به الشّعراء أما سير العظماء فيمكن أن تذهب زبدا.

أقول هذه الحوادث التاريخية لأنني ألاحظ اليوم، مع حكومة جديدة، أنّ المسألة الاتصالية الهادفة إلى تسويق مشاريع الحكومة أو المعلّلة لبطء إنجاز المشاريع مسألة فيها كثير من الارتباك، ارتباك عام سببه ثقافة التونسي والعربيّ عموما في عدم محاسبة الحكّام، فقد تتالت بعد الثورة حكومات أطنب كلّ وزير في الحديث عن المحاسبة وخرج بامتيازات ولم يحاسبه أحد، وجاء بعده من جاء وتحدّث عن المحاسبة ولا محاسبة ولا هم يحزنون، إلى درجة أني مثلا أرأف بحال سمير بالطيب وصولاته الفصيحة بالبلاتوهات حول المحاسبة، وهو الآن يعالج جالسا على نفس كرسي محمد بن سالم وهاتف محمد بن سالم وسائق محمد بن سالم مسائل الغابات وحراس الغابات والتفويت في الأراضي الدولية التي تقول شائعات أنّ كثيرا ممّن كان لا يملك شبر قبر أصبح اليوم من كبار الفلاّحين.

أقول هذا وهي اتصالية، فقد سمّى رؤساء الدولة ورؤساء الحكومة والوزراء ناطقين رسميين ، بقي البعض في أذهاننا صاحب صورة مضحكة ووقعت ترقيته لجميل الوهم الذي ساقه حول التونسيين الذين يمارسون الرياضة، ومن يومها بدأ التونسيّون يصنعون صورة لناطق رسمي محترم وعاد الصحّاف رجل صدّام في محنته والعراق في أزمته إلى الظّهور، ما الذي ينقص الإعلام التونسيّ حتى يظهر للنّاس صحّاف بمواصفات تونسيّة لن يعتمد فيها قاموس العلوج فهي سبّة عراقيّة تاريخيّة للفرس، ولكن على الأقل يمكننا بعد سنوات من الثورة أن نتباهى أنّ البلاد أنتجت اتّصاليا قادرا على تبيض وجوه الساسة عوض أن ينطق ناطق باسم الحكومة بمشاريع "دخّلت البلاد في حيط" واحتاج رئيسه إلى القيام بدور الناطق المصحّح.

أليس من حقّ التونسيين أن يتمتّعوا بما أرهقنا به الصحافيّون والسياسيّون من حقّ النّفاذ إلى المعلومة، معلومة الفساد والرّشوة، ومعلومة المحاباة ومعلومة أكل حقوق التونسيين بالباطل؟ من سيفهم التونسيّين أنّ الواجب الوطني والتضحيّة بالمال واجب مشترك بين التونسيّين، لا يستثنى رؤوس الأموال والمنتصبين للحساب الخاص من محامين وأطباء وصيادلة وتجّار جملة وتقسيط من الإسهام في المجهود الوطنيّ من أجل ضخّ المال بخزينة الدّولة، لكن لعنة التونسيّين ستلاحق كلّ ناطق باسم وزارة ما لم يُجب على سؤال طرحته ثورة تونس ، سؤال المحاسبة ومن أين لك هذا؟ سؤال تعبنا من سماعه صباحا مساء ويوم  الأحد، واليوم خرس المطالبون به.

سيذكر التاريخ التونسيّ أن رؤساء تعاقبوا على قصر قرطاج، لكنّهم كما الماء من أعالي الجبال، ينهمر باتجاه السّفح ولا يترك أثرا إلا في الصَّخر ولن يعرف علماء الجيولوجيا إلى أي فترة رئاسية يعود الحفر، فلم يصنع هؤلاء هالة تخلّدهم ولم يُوفّقوا في العثور على ناطق رسميّ  يجعل من " سود الصحائف" بيضَ  صحائف كما قال المتنبي، و نأمل طبعا في " قوبلز" جديد، لكن نأمل أن تختار الحكومة ناطقيها  قادرين على الابتسامة، وهو حدّ أدنى يحتاجه التونسيّ القلق على أهله وذويه ووطنه.

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.  

مشاركة
الرجوع