• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/11/01 11:14

لبنان من جبل فيروز

لبنان من جبل فيروز

بقلم سعد برغل

أن تقضي بربوع لبنان عشرة أيام سهلا وسفحا وجبلا، وأن تنتقل في حدود السّاعة من منطقة إلى أخرى، وأن تكون بمرآى البحر وتكون بعد نصف ساعة على علوّ 1600 متر من البحر فهذا قد يقدر على تمثّله من عاش دهرا بالصحراء الممتدّة من الكثيب إلى الكثيب،  

ثلاثيّة طبيعيّة تجعل من لبنان بلد الخضرة الدائمة فلا تغرّنك نشرات الأخبار التي تمطرنا، كما اليوم بمناسبة انتخاب رئيس الجمهوريّة، بقصف من الأنباء حول التعدّد الدينيّ بلبنان وما قد ينجرّ عنه من تفكّك وطنيّ، فحيثما سألت وجدت إجابة اعتبرتها مظلة اللبنانيين، سألت شيعة وسنّة ؛ دروزا ومسيحيّين، متعصبين لحزب الله وموالين للكتائب اللبنانيّة، كانت إجابة واحدة أو تكاد: نحن لبنانيّون أوّلا، بل إنّ لبنانيّة حدّ النّخاع كانت تطلب مني في كلّ مرّة أن أنشر صور لبنان "حتى يحبوها التوانسة ويزورون لبنان" ولم تكن هذه العاشقة للبنان صاحبة مؤسسة فندقيّة أو صاحبة مشروع سياجيّ، كانت لبنانيّة وفقط.

لبنان الذي أريد أن ألفت إليه الانتباه تلخّص في عقلي التونسيّ في ثلاثة ظواهر يمكننا بتونس أن نفهم أنّ توفّر المناظر الطبيعيّة وامتداد الجبال وأشجار الصنوبر والاستراحات في قلب الغابات لا يصنع بلدا، وأن معالم بيت الدين وقصر بعبدا معلم حريصا والسيد مريم لا تخلق نشاطا سياحيّا مثمرا، وأن مغارة جعيتا وجبل صنين ومناظر بكفيا لا يخلق منتجعات سياحيّة، ثمة رابط بينها يجعل لبنان قبلة السياح السعوديين والخليجيين عموما، فيها الكثير من السياحة الثقافية وفيها الكثير من السياحة الدينيّة وفيها الكثير من العقل اللبناني الذي يستقبلك بلا عقد اتّجار وربح، تسأل عن مسلكك تاجر تحف أثريّة، فيجيبك باسما دون أن يمسك بيدك ويقتلك إلحاحا لتشتريّ تذكارا، وتتوقّف عند مفترق طرق لتسأل مارّا عن وجهتك، فيبادر بسرد ما ينتظرك من معالم تاريخيّة ويستحثك حتى لا تغلق المتاحف القريبة أبوابها، هو سائق التاكسي حسن الذي يحدّثك بإطناب عن تاريخ لبنان وحاضره، هو المسلم الذي يرى أن عودة تيار الحرير إلى السلطة مضرّ بالبلد، هو قاطع التذاكر الذي يستوقفك بعد إرجاع المتبقي من دولاراتك لينبّهك أنّ لبنان جزء من الهلال الخصيب وأنّ سوريا وفلسطين والأردن بلد واحد وأن السوريين هم ببلدهم وليسوا غرباء أو مهجّرين.

عندما وقفت بباب بعبدا إكراما للسيدة فيروز تذكّرت أنّ الصوت وحّد اللبنانيين، بعد حرب أهليّة دمّرتهم، كانت ست لبنان، كما وقفت بمقام " سيدة زحلة والبقاع"، كما وقفت بمقام حريصا، كما اندهشت لقلعة صيدا وتاريخ بيت الدين، وكما زرت كنائس رائعة الحدائق ووقفت أمام مسجد الحريري بمدخل بيروت، كانت لأغاني الست فيروز طعم آخر، طعم بنكهة تفاح الفكهاني وبندورة البقاع وتاريخ المحن بشاتيلا ، كانت لبنان واحدة من صور وصيدا إلى عكا وطرابلس، كان المسلم يختار رئيسه المسيحيّ وتركتهم بين إعداد لافتات ترحيب بميشال عون ومنافسة صديقه في الحزب، كانت رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ ثلاثة سنين حدثا وطنيا رمزيا وحّد الانتخاب يوم الاثنين كلّ لبنان، فالرئاسة رمز من رموز شجرة الصنوبر وهو الضامن للوحدة بقطع النظر عن الأحزاب والطائفيّة، حتى أن أصدقائي نبّهوني إلى إمكانية غلق كل الشوارع أمام السيل اللبناني بمناسبة انتخاب رئاسة الجمهوريّة، بلد المائة حزب المستوطن بكل قرية، بلد الاختلاف في اللباس بين دروز ومسيحيين، بلد الاختلاف العقدي بين مسلمين ومسيحيين، بلد التمايز بين أهل السفح، بيروت- طرابلس ـ صور- صيدا ومنطقة الجبل من باكفيا إلى صنين، ويقول تاريخ لبنان الحديث إنّ هذا التقسيم بين جبل وسهل يعود إلى الحرب الأهلية اللبنانية، رغم كل ذلك، تسمع في كلّ منعطف"بحبك يا لبنان يا وطني".

ملاحظة المحرّر: هذا التقرير هو مقال رأي، يعبّر عن رأي كاتبه وغير ملزم لـ "جوهرة أف أم" ولا تتحمل مسؤولية ما جاء في المقال.  

مشاركة
الرجوع