• أخبار
  • مقال رأي
  • 2016/08/10 15:41

ليس على السياسي حرج

ليس على السياسي حرج
بقلم سعد برغل

سيقول متصفّح المقال إنّ السياسة في أصل نشأتها هي فنّ التلاعب بالبشر، وقبلها قال سقراط" سياسة البشر أصعب سياسة" وبعده نبّه الفلاسفة والمتكلمون إلى أنّ "السياسة هي فنّ الكذب"، ويقول المعاصرون إنّ الخطاب السياسي هلاميّ زئبقيّ يقول كلّ شيء ولا يقول شيئا، وأنّه من الغباء أن تحاسب سياسيّا انتخبته لأنّه خان "العقد الانتخابي" بل عليك أن تحاسب نفسك لأنّك لا تملك الحصانة السياسية الكافيّة حتى تدرك أنّ السياسة اليوم هي فنّ قيادة الجماهير باللغة وأنّ اللغة والخطاب في البرامج السّياسيّة أهداف في حدّ ذاتها، فالتنمية الجهوية في الخطاب لا علاقة لها بسيدي بوزيد ومكثر والقصرين، وأنّ النهوض بالاستثمار لا علاقة له بانعدام البنية التحتيّة بالدقاش وبوضر، وأنّ توفير الأمن البيئي لا علاقة له بمصبات عشوائيّة بسوسة وجربة وتالة، حتى يندفع سفير ألمانيا ليقول" عندما تعالجون الفضلات بحربة يمكن أن يعود السواح الألمان"، السياسة لا تحكمها النوايا الحسنة والمواطنون مجرد ورقات انتخابية.
ليس على السياسي حرج عندما لا يلتفت إلى الناخب، ويعتبر أنّ وظيفة هذا الناخب توقفت بعد اختياره، وخروجه من قاعة الانتخاب، يصبح للسياسي بعدها مطلق الحقّ في أن يقرر وينفذ ويعترض و"ويولي ويعزل" بل له الحق في السياحة السياسيّة دون أدنى التفاتة إلى من منحه صوته، هذه الديمقراطية الناشئة أرهقتنا سنين عددا لكتابة دستور بقيت به ثغرات يتلاعب بها السياسيون كلّ على هواه. ليس على السياسي حرج، ومن سنطالب اليوم وغدا بالتشغيلية والرفاه واسترجاع الدينار التونسيّ لقدرته واسترجاع المواطن لقدرته على تسديد فواتيره؟ هل علينا ككل مرّة أن نستنجد بالاتحاد حتى يضرب بالعصا فوق الطاولة ليذكّر السياسيين بواجباتهم تجاه وطن بدأ ينزف من الوريد إلى الوريد، وطن يفكر ثله في الهجرة، وثله الثاني في الانتحار وثله الثالث في مساعدة الحارقين أو المنتحرين من باب انصر أخاك في اليأس ظالما أو مظلوما.
ليس على السياسي خرج، تقولها عجوز بأقصى ريف القيروان، تنهض فجرا تؤدي صلاتها، تتفقد دجاجاتها، تفرح لعدد البيض، فاليد قصيرة وسوق القيروان قرب موعده، وثمن الدواء نار، دجاجات أصدق عند العجوز من كلالسياسيين الذين مروا يحملون ذات حملات انتخابية سلالا من الوعود، ملؤوها لغة وكلاما وأماني، حتى تصورت العجوز أنّ كل السياسيين ينهضون فجرا يتفقدون بيضاتها وأنهم يرافقونها كل سوق لبيع البيض ويمرون معها إلى الصيدلية ويعرفون ثمن دوائها وغلاءه، سياسيون يعرفون حجم خيبات العجوز بعد أن رحل معينها، و حرق أبنها البكر باتجاه ايطاليا وانغمست ابنتها في بيع جسدها بإحدى المدن الساحليّة، واعتكف ابنها بمسجد القرية وأطال لحيته ويهذي صباحا مساء بضرورة الهجرة وقد أتعب عقلها المسنّ بحكايات عن تعليم أبناء العم والخال الإسلام، تستمتع إليه في ذهول وتتساءل هل أنا مسلمة يا وليدي، أصلي الفجر حاضرا، وأعجز عن حفظ الآيات.

ليس على السياسي حرج، فهذا الإرهاب السياسي الذي نعيشه سيفرّخ متطرفين لن يبقى معهم أمل للتفاوض لا باسم الديمقراطية التي ركبتموها ركوب شرود ولن يقنعهم إسلام معتدل و لا شورى ولا بيعة، تطرف يساري سيسلخ كبّ اليمين، وتوحش رأسمال ليبرالي سيبيع الأرض والعرض، عندها ليس على الموطنين حرج إن أرغموكم على الهرولة حفاة عراة.

 

مشاركة
الرجوع