• أخبار
  • ثقافة
  • 2019/01/20 16:49

الجامع الوحيد الذي ليست له صومعة : أسرار جامع الكبير بسوسة

 الجامع الوحيد الذي ليست له صومعة : أسرار جامع الكبير بسوسة
يكتسي الجامع الكبير بسوسة الذي شيّد في الفترة الاغلبية التي توافق القرن التاسع الميلادي اهمية معمارية وتاريخية كبيرة، وهو مصنف ضمن التراث الوطني طبق الأمر عدد 765 المؤرخ في 18 أكتوبر 1945، وفق ما هو مدون على اللافتة التي تتصدر مدخله الرئيسي.
هذا الجامع الواقع حذو معلم الرباط الأثري وفي قلب الحركية الاقتصادية والسياحية اليومية في سوسة يشكل مقصدا مهما لزوار هذه المدينة السياحية من التونسيين والاجانب، إذ بمجرد ولوج بوابته الرئيسية يتعين عليك نزول درج صغير لتجد نفسك في باحة جميلة تحيط بها بعض الأروقة، وعلى يمينك، وفي أقرب رواق، تشاهد معلقات لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تتضمن خارطة لهذا المعلم التاريخي ونبذة تاريخية عنه.
ويتضح ، من خلال ما دونته وكالة إحياء التراث أنّ الجامع الكبير بسوسة، ومنذ بنائه، كانت له نزعة عسكرية دفاعية نظرا لموقعه المركزي بالنسبة إلى مدينة سوسة، وهو ما يفسر الرغبة في تعزيز حماية الواجهة البحرية لهذه المدينة، وخاصة دار الصناعة، والحوض الداخلي المتاخم له.
وظيفة عسكريّة
وتتجلى هذه الوظيفة العسكرية من خلال هندسة المصلى، إذ تم تدعيم واجهته البحرية بأبراج دائرية في كل أركانه، وأحدث ممشي للعسس يمكن بواسطته استعمال الشرفات المثقوبة للرمي. كما أن غياب الزخرفة التي تتميز بها عادة الجوامع الاخرى يؤكد على البعد العسكري لهذا الجامع الذي لا يتوفر كغيره على صومعة، ويمكن تفسير ذلك بقربه من الرباط الذي يوفر برجا تتم منه المناداة للصلاة، حسب ما جاء في اللمحة التاريخية.
وشهدت بيت الصلاة توسعة سنة 883 ميلادي، وبها محراب يبدو أنّه يعود إلى القرن الحادي عشر، إذ أنّ الزخرف الموجود به (وجود القنوات المسطحة التي تنتهي في أعلاها بعقود صغيرة)، عدّ من خاصيات العمارة الفاطمية والزيرية، ومن الأكيد أنّ المعلم عرف ترميمات خلال العصر الزيري، ذلك أنّه يوجد ببابه الغربي الذي يفضي مباشرة إلى بيت الصلاة نقيشة تخلد هذا الترميم. ويحتوي هذا المعلم كذلك على ثلاثة أروقة مقبية وهي موجودة في الجهة الشمالية والشرقية والغربية، ولا يزال حاجز الأروقة يحتفظ بنقيشة كتبت بالخط الكوفي وهي مجردّة من الزخرف.
الباحث في علوم التراث والاستاذ في علم الاثار، محمّد عليّ الخُرْشِي، أفاد، خلال زيارة للجامع الكبيرة بسوسة، نظمتها وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية لفائدة عدد من الصحافيين، أنّ هذا المعلم يعد من بين أهم المعالم الدينية في البلاد التونسية، وهو الجامع الوحيد في البلاد التونسية الذي ليست فيه منارة أي صومعة، ومحرابه من أجمل المحاريب إذ هو مزخرف بمربعات هي الشاهد الوحيد المتبقي عن الفترة الأغلبية.
وبني هذا الجامع فوق نسيج أقدم منه، بحسب هذا الباحث، وفيه العديد من الحجارة المعادة الاستعمال والتي تعود إلى الفترة الرومانية والمتمثلة في التيجان والأعمدة الكورنثية التي تم جلبها من نفس المكان، وهي هديرمتوم القديمة وهو الاسم الروماني لمدينة سوسة، وأنجز البناء بالصخر الصلب، وهو ما أعطاه صبغة دفاعية خصوصا وأن سوسة تعرضت إلى عدّة هجمات صليبية وحروب.
النواة الأولى
وتمت المحافظة على النواة الأولى من الجامع مع بعض الإضافات الطفيفة والزيادات على غرار تلك المُجَنَبَة (رواق) التي أضيفت في الفترة التركية، وهي مؤرخة بنقيشة تعود إلى الفترة العثمانية، وقد كتب عليها "الحمد لله جدد هذه المجنبة الأمين محمّد عاشور الأندلسي سنة 1086 "، وهي بالتالي تؤرخ إلى لمسات زخرفية في مجال العمارة للأندلسيين الذي قدموا إلى سوسة.
وشهد ذات الجامع سنة 2007 عملية ترميم وتجديد لكلّ الأسقف والأسطح، مع الصيانة المتواصلة له، والتدخل بشكل آني في حال ملاحظة أية مناطق رطوبة. وكان الجامع الأكبر بسوسة، وفق الباحث في الآثار محمّد عليّ الخُرْشِي، يعتبر من أهم وجهات الدّراسة بالنسبة إلى الطلبة الذين كانون يتهافتون عليه من المشرق والمغرب للحصول على شهائدهم العلمية بعد التحصيل العلمي على أيادي مشائخ هذا الجامع المشهود لهم بالتبحر في مختلف العلوم. وستلاحظ، إذا تمكنت من الدخول إلى بيت الصلاة تواجد عدّة أعمدة تعلوها أقواس ونوع من القباب، وستمتع نظرك بما تتميز به أعمدة المحراب من زخارف جميلة بقياسات دقيقة ترتقي إلى درجة العمليات الحسابية المعقدة وهو ما يدل على النضج الذي بلغته العمارة الاسلامية في ذلك العهد.
كما أن المنبر الخشبي الذي يعتليه الإمام الخطيب خلال خطبة الجمعة أو في صلاة العيد، والذي أبدعت نقوشه أياد تونسية منذ سنوات خلت، سيبهرك وسيدغدغ رغبتك وتوقك إلى معرفة المزيد عنه، بل إنّ رغبتك ستكون ملحة لزيارة الجامع الكبير بسوسة لتتمعن عن قرب في جمال ذلك المنبر وفي أعمدة المحراب، وستتأكد يومها مجددا أنّ سوسة مدينة من مدن الحضارات، وهي واحدة من المدن المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد التونسية التي تزخر بالمعالم الاثرية المتنوعة والمتفردة.
وات
مشاركة
الرجوع