• أخبار
  • رمضان 2019
  • 2019/05/23 10:23

أعمال روائية تونسية تستجيب لمختلف الأذواق وتطور ملحوظ في صناعة الصورة وإدارة الممثل

أعمال روائية تونسية تستجيب لمختلف الأذواق وتطور ملحوظ في صناعة الصورة وإدارة الممثل
اختيارات جمالية في الإخراج وجرأة في الحوار وتنويعات في الخطاب الدرامي، تلك هي أبرز ملامح الأعمال الروائية الرمضانية التونسية التي تابعها المشاهدون على القنوات التلفزية التونسية في الجزء الأول من شهر رمضان المعظم، خمس مسلسلات حاولت نقل صور وقضايا المجتمع عبر تصورات فنية روائية متنوعة من حيث السيناريو والإخراج.
- "أولاد مفيدة" (الجزء الرابع) لسامي الفهري :
سيناريو متمرد وأحداث تتجاوز المألوف الدرامي

رغم الانتقادات التي واجهها الجزء الرابع من مسلسل "أولاد مفيدة" بسبب ما تضمنه من مشاهد عنيفة صادمة وحوار جريء وسط أحداث مثيرة تصاعدت وتيرة الارتباك والعنف فيها، إلا أن هذا العمل وقع تصنيفه من بين الأعمال الدرامية الرمضانية الأكثر متابعة من قبل جمهور الشاشة الصغيرة من خلال ما كشفته عمليات قيس نسب المشاهدة فضلا عن عدد المشاهدات الهائل الذي سجله على مختلف وسائل التواصل الإجتماعي، وهو ما يعكس النجاح الجماهيري لهذا العمل.
نسق متسارع فيه الكثير من الإثارة والتشويق في قالب سيناريو بسيط يراوح بين أحلام مرتبكة وسط واقع مضن، هذه البهارات الدرامية لطالما ميزت الصناعة الروائية للمنشط التلفزي والمخرج سامي الفهري الذي نجح من خلالها في جلب جمهور عريض ووفي لمتابعة مغامرات الأخوة الثلاث (بدر وبيرم وابراهيم "أولاد مفيدة).
استهلاك المخدرات والإجرام والدعارة، قضايا يختار دائما سامي الفهري طرحها لا بشكل ضمني أو بطريقة رسائل مستفزة للجمهور المتابع، فهو يتجاوز المحظور ويتعدى حدود المألوف ليدفع حمم براكين المجتمع بشكل مباشراتي وصادم، ويبدو أن أسلوب الفهري في الطرح المباشر مكنه من فرض منتوج درامي "متمرد" ينجذب إليه المشاهد بمحتوياته التي تعري الواقع وتكشف مفارقاته، المفارقات الحياتية وظاهرة الطبقية والتمزق المجتمعي.
-
 "مشاعر" للمخرج التركي الألماني محمد غوك :
الإخراج مجال للإبداع ولتسويق صور مبهرة لتونس

المخرج التركي الألماني محمد غوك الذي أخرج أكثر من عشرين مسلسلا في تركيا وأذربيجان وبلغاريا وألمانيا وروسيا والجزائر، نقل عبر عدسته في مسلسل "مشاعر" الذي يجمع كوكبة من نجوم التمثيل من تونس والجزائر، مشاهد جميلة تسوق لتونس من خلال إبراز تراثها وتضاريسها بتقنيات بصرية متطورة تعتمد على الصورة المبهرة والفاتنة تغمرها الجمالية في الإخراج.
وفي محاولة لأقلمة النموذج الدرامي التركي مع الأعمال التونسية، اشتغل محمد غوك على المسار الدرامي ذاته في الشكل والمضمون لينتج صناعة درامية غير معهودة على الشاشات التونسية، فجمالية الإخراج وفق تصوره تكمن في تناغم النواة الرئيسية للعمل مع مختلف المواقع والمكونات الدقيقة التي تحيط به من موسيقى وملابس وحلاقة وأماكن تصوير ومنازل وسيارات فاخرة.
تجربة جديدة يتابعها المشاهدون في تونس والجزائر بتقنيات إخراجية متطورة، ويبدو أن المخرج راهن على نجاح هذا العمل بعد ما شهدته الدراما التركية من إقبال منقطع النظير من المتابعين في العالم العربي.
"مشاعر" تمكن من ملامسة مشاعر التونسيين بسيناريو حضر فيه الحب والجمال والانتقام والعنف والهدوء والثراء والعصابة، وبمشاهد ساحرة لتونس زادت بريقها وإشعاعها السياحي. خبرات تركية في الإدارة الفنية والسيناريو والإخراج بكفاءات في التمثيل من تونس والجزائر ترسم في هذا الموسم الرمضاني مرحلة جديدة في تاريخ الدراما التونسية.

- "القضية 460" لمجدي السميري :
الدراما التونسية مادة قابلة للتصدير على الصعيد العالمي

منذ تجربة إخرجه لفيلم "فوس نوت" (2012)، يواصل المخرج التونسي مجدي السميري عمله بهويته وطابعه المهني الخاص وهو بعث منتوج تونسي قابل للتصدير على المستوى العالمي عبر اعتماده على تقنيات سينما هوليود. ومسلسل "القضية 460" أكد توجه السميري في صناعة مادة درامية غربية تتجاوز الحدود التونسية والعربية ليستهدف الجمهور المولع بمتابعة السلسلات الغربية والأمريكية. وتتمثل "تونسة" هذا العمل، فقط، في السيناريو المبني على اللهجة التونسية التي تتخللها كلمات بالفرنسية وكذلك وجود شخصيات بأسماء فرنسية.
ولئن بدا جليا تأثر السميري بالتصور الاخراجي الغربي والهوليودي في سلسلة "بوليس حالة عادية" (2015-2017) أو سلسلة "طالع والا هابط" (2014) من خلال أقلمة المحتوى مع الواقع التونسي، إلا أنه في مسلسل "القضية 460" غلّب الاستلهام الإخراجي على مختلف العناصر الفرجوية، في القصة والمكان والزمان والشخصيات ومسار الأحداث.
هذا العمل تم تصويره في روسيا وتونس واختار السميري فترة الأربعينات كإطار زماني للأحداث وبالتحديد أثناء وقائع الحرب العالمية الثانية في بلد في منطقة الغرب حيث يتولى محقق شاب (الممثل محمد مراد) البحث في قضية اغتيال رجل أعمال وانطلاقا من هذه العقدة الدرامية تتفرع الأحداث وتنكشف الشخصيات وتتفاعل فيما بينها بحبكة روائية مشوقة.
مجدي السميري راهن في مسلسل "القضية 460" على قدرته على تطويع المنتوج الدرامي التونسي إلى مقاييس إخراجية متجددة مستوحاة من تقنيات الإخراج في أعمال هوليود العالمية محاولا برؤيته الجديدة والمميزة الولوج في عالم النجوم والصناعة الدرامية الهوليودية. 

- "المايسترو" للأسعد الوسلاتي :
عمل يعيد الأمل 

بعد غياب لسنتيْن عن الإنتاج الدرامي التلفزيوني، على إثر الجدل الذي أثير عن "فشل" مسلسل "وردة وكتاب" (رمضان 2016)، عادت مؤسسة التلفزة التونسية هذه السنة بعمل يحمل عنوان "المايسترو" للمخرج الأسعد الوسلاتي، يسجل مصالحة الجمهور مع مؤسسته الإعلامية العمومية. 
و"المايسترو" عمل مستوحى من تجربة شخصية لأستاذ الموسيقى رياض الفهري في مراكز إصلاح الأطفال الجانحين، وقصّته مع نادي الموسيقى بهذه المراكز، ومعركته ضد بيروقراطية نظام إداري معاد لكل تغيير، مما جعل الأحداث الدرامية مشوقة للجمهور.
وبالإضافة إلى ثراء السيناريو وتطعيمه بشهادات من الواقع، يتميّز مسلسل "المايسترو" بتوجيه محكم للممثلين، وهو ما مكّن من إبراز قيمة الممثلين واداءهم سواء منهم المحترفون أو الهواة.
ويُثير مسلسل "المايسترو" مواضيع اجتماعية كالصراع بين الأجيال والعنف والأوضاع داخل السجون، وقد صاغها المخرج بأسلوب مبسّط متاح للجمهور العريض، وفي ذلك دعوة للمشاهد للتفكير بطريقة بناءة في قضايا المجتمع.
عاد الأسعد الوسلاتي عبر "المايسترو" إلى تقاليد الإنتاج الدرامي، حاملا رسالة مليئة بالأمل والتفاؤل، هي رسالة مفادها أن الفن وسيلة لعلاج قسوة الواقع،وللتخفيف من وطأة البؤس الإنساني.

- "النوبة" لعبد الحميد بوشناق:
الهوية التونسية والفولكلور، مصدر إبداع روائي 

بعد السلسلة الهزلية "هاذوكم" (2016-2017)، يعود المخرج عبد الحميد بوشناق إلى عالم الشاشة الصغيرة عبر مسلسل "النوبة". وهو عمل يروي قصة الشاب "ماهر" الذي تمّ إيقافه والحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، وهناك التقى بالصادق وهو كهل يبلغ من العمر 60 سنة، محكوم بالسجن المؤبد، ويعدّ أحد رواد فن المزود، فيصبح ماهر صديقا مقربا منه ويكتشف من خلاله عالم المزود.
هذا العمل الدرامي، الذي تبثه قناة نسمة الخاصة، يسلط الضوء على أول عرض ضخم أقيم مطلع التسعينات من القرن الماضي "النوبة"، ويبرز ثراء هذا النمط الموسيقي، الذي كان يُنظر إليه بطريقة سلبية، رغم شعبية موسيقى المزود وشيفراتها وعوالمها.
وتوازيا مع إبراز ثراء موسيقى المزود، يغوص العمل أيضا في واقع المجتمع التونسي في التسعينات، وهي فترة عرفت أشكالا متعددة من القضايا من عنف وفساد وتفشي المخدرات، في فترة الرزوح تحت نظام كان في أوج قوته وهي فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
"النوبة" بمعناها الدال على "التخميرة" أو "الانتشاء" تأخذ المشاهد ليغوص في نشوة الإبداع الفني للمخرج توازيا مع النشوة الموسيقية، كما ينجذب الجمهور المتفرج إلى شخصيات هذا العمل حيث يمتزج البناء الدرامي المعقد للأحداث بالهزل والشعر والعبارات المستعملة في تلك الفترة. "نوبة" عمل يُراوح فيه المخرج عبد الحميد بوشناق بين القصة المثيرة والرومنسية والكوميديا الاجتماعية والموسيقية مضيفا لمسة عصرية وآنية لفترة سابقة.

** هذا العمل من إنتاج حنان شعبان وترجمه من الفرنسية إلى العربية سهيلة العيفة والأسعد محمودي 

وات
مشاركة
الرجوع