• أخبار
  • اقتصاد
  • 2021/11/23 13:58

التشريعات الجبائية :"هدايا " لحيتان المال

التشريعات الجبائية :
تعيش تونس أزمة إقتصادية ومالية حادّة ، فاقمت من تردّي الأوضاع المعيشية و إرتفاع معدّلات البطالة، نتيجة غياب الإصلاحات التنموية لدى الحكومات المتعاقبة، ولجوئها المتكرّر إلى الإقتراض الخارجي وما يفرضه من شروط وإملاءات ، فضلا عن الجائحة الوبائية التي تسبّبت في تراجع الإستثمار وإفلاس عدد من الشركات الصغرى.

ومثّلت دعوة الرئيس قيس سعيد التونسيين للمساهمة في تعبئة الموارد المالية للدولة وحديثه المتكرّر عن ضرورة التقشّف إقرارا صريحا بحدّة الأزمة التي تمرّ بها البلاد  وسط تساؤلات عن الخيارات المتاحة أمام حكومة بودن لسدّ عجز الموازنات المالية.

ويواجه إقتصاد تونس في الفترة الأخيرة عدّة صعوبات وتحديّات ، مع بلوغ الدّين المحلّي مستويات حرجة تقترب من 90 % من الناتج المحلي الإجمالي بالمئة وإرتفاع البطالة إلى 18.4 %، إضافة إلى إنهيار عائدات السياحة جرّاء الجائحة الوبائية.

وبهدف تحقيق حلول عاجلة للأزمة الإقتصادية المتفاقمة في البلاد منذ سنوات، استأنفت الحكومة التونسية، محادثتها مع صندوق النقد الدولي ، الذي يبدوا  متردّدا للدخول في مفاوضات، دون أرضيّة سياسية صلبة، وإصلاحات إقتصادية ممّا يجعل من هذه المفاوضات صعبة وغير مضمونة النتائج وفق خبراء إقتصاديين.

وترى منظمة بوصلة أن مزيد إحكام إدارة الجباية في تونس ومراجعة التشريعات من شأنها أن تقلّص في اللجوء إلى الإقتراض الخارجي المشروط والإرتماء في أحضان صندوق النقد الدولي الذي يعدّ من التبعات الحتمية لعدم مراجعة النموذج الإقتصادي التونسي.فعلى الرغم من التحديّات الإقتصادية التي تواجهها البلاد والحاجة الماسّة إلى الموارد وفي ظلّ إنتشار ظاهرة التهرّب الجبائي التي تشكّل وحدها تكلفة بحوالي 83 % من إجمالي المداخيل الجبائية ويكلّف البلاد خسائر سنوية  25 مليار دينار ، إلا أن إدارة الجباية في تونس لا تزال تشكو أداء ضعيفا في تحصيل الأداءات والمراجعة الجبائية بسبب النقص الحادّ في الموارد البشرية واللّوجستية لمقاومة التهرّب الضريبي وفق المنظمة .

 - حقيقة العدالة الجبائية في تونس :

 ينصّ الفصل 10 من الدستور التونسي على أن  أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف. وتضع الدولة الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة، ومقاومة التهرّب والغشّ الجبائيين. وتحرص على حسن التصرف في المال العمومي وتتّخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الإقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد وكل ما من شأنه المساس بالسيادة الوطنية.

 لكن المتمحّص في فصول مشروع قانون المالية لسنة 2021 ، يمكنه أن يلاحظ غياب العدل والإنصاف بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين (شركات) ، حيث تنص فصوله( 26،27،29، 30،37) على الترفيع في الضريبة على الإستهلاك (جعة ، تبغ ، منتجات طاقية وبترولية  ، ألعاب الرهان وغيرها ...) ، في حين تم توحيّد نسب الضريبة على الشركات بحذف نسب الضريبة المحدّدة بـ25 %و20 %و13.5 %وضبطها في مستوى 18 % (الفصل 13).إضافة إلى أن الضريبة على الدخل حاليا جعلت من الجهد الضريبي مركّز على كاهل الأجير سواء في القطاع العام أو الخاص.

- قانون المالية 2021 يشجّع على التهرّب الضريبي :

هيمن إرتفاع العجز في الميزانيّة والحاجة الكبيرة إلى الإقتراض على نقاشات مشروع قانون الماليّة لسنة 2021، إلّا أنّ الأغلبية البرلمانية ، لم تتردّد في تمرير فصول لرفع القيود التشريعية بهدف إضفاء مزيد من المرونة وفق إعتقادهم ، فقد إعتبر مدير مشروع مرصد ميزانية بمنظمة بوصلة  أمين بوزيان في تصريح للجوهرة أف أم ،أنّ قانون المالية 2021 شجّع على التهرّب الضريبي و فضّل تقليص الرقابة بحجّة نقص إمكانيات وزارة المالية عوض تعزيز إمكانيتها ورقابتها على أخطر أساليب التهرّب الضريبي ، وذلك من خلال عدّة تشريعات ،ومنها ما تعلّق بأسعار التحويل  (الفصل 16) ، ويتمثّل سعر التحويل في قيام شركتين تنتميان إلى نفس المجموعة الأم بمعاملات بينهما ، تسدّد بموجبها الأولى دفوعات للثانية مقابل سلع أو خدمات معيّنة ، تستخدم هذه المعاملات لتحويل الأرباح من شركة إلى أخرى عن طريق التلاعب بأسعار السلع والخدمات المذكورة وذلك بهدف تقليص الضرائب المستحقة وقد يكون مقر هاتين الشركتين في البلد نفسه أو في بلدين مختلفين وبالتالي تخضعان لأنظمة ضريبية مختلفة.وعلى سبيل المثال كشف تحقيق لمنظمة " أنا يقظ" أنّ التهرب الضريبي لقناة نسمة كان يتم في جزء منه عبر أسعار التحويل ،إذ أن الحق في إستخدام شعار القناة لا تمتلكه الشركة التونسية ،وإنما شركة nessmaSA2"  في لوكسمبورغ.

وتجدر الإشارة إلى أن  خسائر الدول النامية جرّاء التلاعب بأسعار التحويل، وفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي استند إلى بيانات جُمعت من منظّمات غير حكومية متعدّدة، تُقدَّر بما لا يقلّ عن 50 مليار دولار أميركي سنوياً، بدون احتساب كلفة التلاعب بأسعار التحويل على المستوى المحلّي.

 ووفق  مدير مشروع مرصد ميزانية ، لا يتّجلى تشجيع قانون المالية 2021 على التهرّب الضريبي فقط من خلال أسعار التحويل بل أيضا من خلال الإمتيازات الجبائية (الفصل 13)، والإمتيازات الجبائية هي بالأساس معاملات تفضيلية توفّر للمؤسسات من قبل الدولة في المسائل الجبائية والمسؤولية الجبائية عادة لتحفيز سلوك إقتصادي أو إجتماعي معيّن ولأن هذه الإمتيازات تتعلّق بضرائب ذات قيمة منخفضة أو إستخلاصات جبائية مؤجلة فهي تؤدي إلى خسائر على مستوى موارد الدولة وتعتبر إنفاقا عموميا غير مباشر. وتشمل أنواع الإمتيازات : الإعفاءات ، نسب ضريبية مخفضة ، خصومات وإعتمادات جبائية .

 وتمثّل كلفة الإمتيازات الجبائية جزءا هاما من خسائر إيرادات الدولة  كل سنة،  ويبلغ متوسط هذه الكلفة حوالي 1.6 % من الناتج الداخلي الخام لتونس وقد بلغت ذروتها سنة 2008 بنسبة 2.85 %، وفيما يتعلق بالميزانية الوطنية ، تمثّل الإمتيازات الجبائية في المتوسط 5.9 % من الميزانية السنوية وهذه تكلفة مرتفعة جدّا كان بوسع الدولة أن تجمعها وتستخدمها لتحقيق توازن أفضل في حساباتها والحدّ من عجزها الميزانية.


                                                                                                      لبنى حميدة


مشاركة
الرجوع