• أخبار
  • وطنية
  • 2025/12/27 09:55

دراسة: الأمن الغذائي تحدّ استراتيجي يواجه تونس في أفق 2070

دراسة: الأمن الغذائي تحدّ استراتيجي يواجه تونس في أفق 2070
أكد الأستاذ والباحث بالمنصّة العليا للفلاحة، محمد عبد العظيم، صباح اليوم خلال ندوة علمية خُصّصت لموضوع الأمن الغذائي، أن هذه القضية تمثل أحد أهم التحديات الاستراتيجية التي تواجه تونس في أفق سنة 2070، في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية، والتغيرات المناخية، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية والإنتاج الفلاحي الوطني.
وأوضح عبد العظيم أن هذه الدراسة حول الأمن الغذائي تُعد من أهم مخرجاته البحثية، وهي مبادرة أطلقها مجلس علوم الهندسة التابع لعمادة المهندسين، بالشراكة مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، وبمشاركة باحثين من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الفلاحي بتونس، من بينها مؤسسات تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وبيّن أن هذه الدراسة الاستشرافية انطلقت سنة 2023، واعتمدت مقاربة تشاركية ساهمت فيها عدة أطراف وطنية ودولية، وتهدف إلى استشراف مستقبل الأمن الغذائي في تونس في أفق سنة 2070، في سياق عالمي يتسم بعدم الاستقرار وبتزايد المخاطر المرتبطة بسلاسل التزويد الغذائي.
وأشار عبد العظيم إلى أن الدراسة انطلقت من سؤال محوري يتمثل في: هل ستكون تونس قادرة على تأمين أمنها الغذائي لمواطنيها في أفق 2070؟ وللإجابة عن هذا السؤال، اعتمدت الدراسة على تحليل جملة من المحرّكات الخارجية، وفي مقدمتها التغيرات الجيوسياسية العالمية والتغير المناخي، إلى جانب محرّكات داخلية تتعلق بندرة الموارد الطبيعية، ووضع سلاسل القيمة داخل تونس، والإنتاج الفلاحي بصفة عامة.
4 سيناريوهات
وأضاف أن نتائج الدراسة أظهرت وجود أربعة سيناريوهات مستقبلية ممكنة، ترتكز أساسًا على اتجاهين رئيسيين، يتمثل الأول في مدى توجه تونس نحو تطبيق الفلاحة المستدامة، بينما يتعلق الثاني بمدى اعتماد الاستهلاك المسؤول.
وبيّن في هذا السياق أن من أبرز مخرجات الدراسة التأكيد على أن تطبيق الفلاحة المستدامة أصبح ضرورة ملحّة، من أجل التخفيف من الضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، وضمان استمرارية الإنتاج الفلاحي.
كما شدد على أهمية العمل على محور الاستهلاك المسؤول، عبر توعية المواطن التونسي وتغيير بعض العادات الاستهلاكية.
ولفت عبد العظيم إلى أن العادات الغذائية للمواطن التونسي شهدت تغيرًا كبيرًا مقارنة بستينات القرن الماضي، حيث كان الاستهلاك آنذاك يعتمد أساسًا على الإنتاج الفلاحي الوطني، في حين أصبح الغذاء اليوم مرتبطًا بشكل متزايد بالمنتجات المورّدة من الخارج.
وذكر في هذا الإطار مثال القمح اللين الذي أصبح عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي التونسي، رغم أنه يعتمد بدرجة كبيرة على الاستيراد.
وأوضح أن هذا الاعتماد على التوريد جعل الأمن الغذائي الوطني مرتبطًا بالتغيرات الجيوسياسية العالمية، وهو ما انعكس في السنوات الأخيرة من خلال التذبذبات في سلاسل القيمة والتزويد، مشيرًا إلى أن صفوف المواطنين أمام المخابز تمثل أحد المؤشرات الواضحة على الأزمات الغذائية، مثلما يُعد عدم قدرة المواطن على استهلاك اللحوم الحمراء مؤشرًا آخر على تراجع الأمن الغذائي.
وأكد المتحدث أنه أصبح من الضروري التفكير الجدي في هذه الاتجاهات، مبرزًا أن من بين الحلول المقترحة تبنّي نماذج فلاحية مستدامة، على غرار الزراعة البيئية والإيكولوجية، بما يسمح بالحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي الغذائي.
وشدّد عبد العظيم على أن الأمن الغذائي لا يمكن أن يكون مسؤولية وزارة واحدة أو مؤسسة واحدة، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب انخراط مختلف الوزارات، خاصة وزارات الفلاحة، التجارة، الاقتصاد، والبيئة، في مسار مشترك يهدف إلى دعم الفلاحة التونسية واتخاذ قرارات استراتيجية منسّقة.
وفي هذا الإطار، دعا إلى معالجة الإشكاليات الهيكلية التي تعاني منها المنظومة الفلاحية، وعلى رأسها تشتت الملكيات الفلاحية، معتبرًا أن الملكيات الصغيرة لا تستطيع الصمود أمام الأزمات، مما يستوجب العمل على تجميع الفلاحين في إطار تعاونيات، على غرار التجارب المعتمدة في عديد دول العالم.
كما دعا إلى دعم الفلاحين في استعمال المدخلات العضوية، والتقليص من الاعتماد على الأسمدة والمواد الكيميائية، والعمل في الوقت ذاته على تغيير بعض العادات الاستهلاكية للمواطن التونسي التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات المورّدة.
وأكد عبد العظيم على أن تحقيق الأمن الغذائي في تونس يمرّ حتمًا عبر مسار تشاركي وطني، يساهم فيه جميع المتدخلين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من أجل بناء منظومة غذائية أكثر صمودًا واستدامة في مواجهة تحديات المستقبل.


نسرين علوش
مشاركة
الرجوع